استمرار خفض الفائدة الأمريكية.. تحدي "2008م" لدول الخليج
في مطلع كل عام جديد أكتب عن أبرز تحديات هذا العام من الناحية الاقتصادية. وقد كان مقال "الاقتصادية" المنشور يوم الأربعاء العاشر من كانون الثاني (يناير) 2007م تحت عنوان "التضخم... التحدي الأبرز في عام 2007م أمام دول الخليج" وهو ما كان ولا يزال! وها نحن ندلف لعام 2008م بتحديات جديدة تضاف إلى التحديات السابقة. وسيكون التحدي الحقيقي وذو الطبيعة المتخصصة طبقا من الأطباق الساخنة الجديدة في منطقة الخليج خلال عام 2008م وهو استمرار خفض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة!! بطبيعة الحال كان هناك تداخل في طبيعة التحديات فقد كانت السياسة النقدية الخليجية وقضية ضعف الدولار المرتبطين به ارتباطا كاثوليكيا رغم أن "الزوجات مسلمات حسب الدستور" أطباق لا تنقصها السخونة وكأن قدر المنطقة وقدر شعوبها أن تكون دائما على صفيح ساخن! وقد كان الطبق الأبرز قبل وبعد انعقاد القمة الخليجية الأخيرة في الدوحة في نهاية العام موضوع "إمكانية فك ربط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي"! وقد صدر العديد من التصريحات من عدد من مسؤولي السياسات النقدية وحتى "مسؤولي الخارجية!!" في بعض دول الخليج حول الموضوع وكانت تشير إلى إمكانية ذلك الفك أو تخفيضه من خلال توسيع قاعدة الربط مع سلة عملات يكون للدولار النصيب الأكبر منها، إلى الدرجة التي أصبحت المسألة مجرد مسألة وقت لا أكثر ولا أقل بالنسبة للكثيرين، رغم مراهنتي المستمرة على أنه لن يكون هناك فك للارتباط الخليجي بالدولار وبالذات سعودياً وذلك لسبب بسيط هو أن نظرة صانع السياسة عموماً والسياسة النقدية خصوصاً تختلف عن المعطيات الاقتصادية التي يتحدث عنها الجميع. بما في ذلك غلاء المعيشة ومنطقية الفك مع استمرار التراجع في قيمة الدولار أمام العملات الرئيسية العالمية من يورو وجنيه استرليني وين ياباني؟ هذا بغض النظر عن صواب ذلك أم خطأه.
ومن خلال هذا النقاش غير المنتهي لا تزال الأسعار العامة في زيادة مستمرة سواء للسلع الأساسية أو الكماليات مما صعد بمؤشرات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، وقد تكون الصورة أكثر سوءا في عام 2008م في مقابل صورة مغايرة للاقتصاد الأمريكي الذي يمر في حالة أشبه بالركود قد تكون قوية في عام 2008م بحكم تداعيات أزمة الرهن العقاري التي حدثت في آب (أغسطس) 2007م وقد تنكشف أزمات مالية أخرى مثل القروض الاستهلاكية! وقبل الخوض في بحر هذا الموضوع أؤكد أنه ليس لدي موقف مسبق من قضية فك الارتباط أو عدم فكه لأن المعطيات التي لدي لا تكفي لأخذ موقف أولا. وثانيا لأن مثل هذا القرار يحتاج إلى نظرة عميقة في شؤون السياسة الدولية وتأثيرات القرار على التعاطي السياسي مع موقف الابتعاد عن الدولار. ويكفي الإشارة إلى أن البتريورو بدأ يأخذ مساحة من الحوار الأمريكي الأوروبي (العالمي) مقابل البترودولار على المستوى السياسي قبل الاقتصادي! ويكفي الإشارة إلى كل لبيب أن نسبة الاحتياطيات بالدولار تراجعت منذ بداية العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" في 1999م ومن المتوقع لها (أي احتياطيات الدول من الدولار) أن تتراجع أكثر خلال السنوات القليلة المقبلة لمصلحة عملات أخرى على رأسها اليورو. ويبقى السؤال هو عن مدى سرعة هذا التراجع؟ وهل المسألة سنوات أو عقود ليصبح الدولار أقل من 50 في المائة من احتياطيات العالم؟
ومع هذه الصورة الضبابية، زادت وتيرة التقارير التي تصدر من كل مكان محلياً وخارجياً حول تلك المواضيع سواء كانت بنوكا دولية أو محلية أو شركات استشارات مالية حتى صندوق النقد العربي على غير المعتاد أصدر تقريرا حول ضرورة التحرك فيما يخص ربط العملات الخليجية بالدولار. طبعا أكثر ما يخيفني عمليا عندما أرى تقارير المؤسسات المالية الدولية، لسبب بسيط جداً. لأني أعرف أن "الذيب لا يهرول عبثاً". ويكفي معرفة ماذا فعلت الذياب في نمور شرق آسيا في عام 1997م من خلال توصياتها، عفوا أقصد تعليماتها التي منعت تطبيق سياسات كان يمكن أن تكون أكثر حنكة ووطنية!!
وعليه نقول:
أولا: علينا معرفة أن نسبة المعلوم عن عناصر اتخاذ القرار سواء كانت بفك الربط مع الدولار أو عدمه قد لا تتجاوز نسبة 10 في المائة على أفضل تقدير، فالمعلومات المتوافرة عن السياسات المالية والنقدية على المستوى الخليجي ضئيلة إلى حدود متدنية. وبغض النظر عن صواب ذلك أو عدمه، هذه حقيقة أولى يجب عدم إغفالها عندما يتعلق الأمر برأي أو آخر.
ثانياً: الأدوات المتوافرة للسياسة المالية والنقدية هي محدودة لعدد كبير من الأسباب ومن ضمنها حداثة الأنظمة وعدم عمق الهيكلة الاقتصادية التي تسمح بتأثير القرارات سواء من المستوى الكلي إلى الجزئي أو بالعكس كتغذية عكسية لتأثير القرارات الحكومية وهيمنة القرار السياسي على الاقتصادي. وبكل أسف يتم التعامل مع تلك الحقائق إعلامياً بأساليب بدائية!!
ثالثاً: لا يوجد استقلالية للسياسات النقدية خليجياً، وهذا ليس بالضرورة عيباً ولكنه حقيقة بحكم طبيعة الأنظمة السياسية الخليجية وعدم القدرة على التحرك في هذا البحر المتلاطم بشكل مستقل على الأقل خلال المدى المنظور.
ومع ذلك ودون التحيز لرأي أو آخر، نسأل أسئلة بسيطة عن الكيفية التي ستتصرف بها دول الخليج مع حدث شبه مؤكد في 2008م عندما تصبح أسعار الفائدة الأمريكية في حدود 1 في المائة فقط، كما حدث ذلك في 2003م بسبب حالة الركود الاقتصادي التي يبدو أنها تسوء أكثر فأكثر، مقابل حالة التضخم التي تعيشها دول الخليج والتي يبدو أنها تسوء أكثر فأكثر؟ هل يصل الفرق بين سعر إعادة الشراء العكسي وإعادة الشراء في المملكة على سبيل المثال إلى 500 نقطة أساس بدلا من 150 نقطة أساس حالياً وهو أمر نادر الحدوث؟ وهل ستستمر المراهنة الخليجية على أن ما يحدث للدولار هو مؤقت وليس دائما؟