تسييل المحافظ في البنوك .. هل خالف النظام؟
تسن الدولة النظام لمصلحة الفرد والمجتمع، وتنفق له الأموال، وتستنزف لأجله العقول، ثم ينشر في الجريدة الرسمية، وهنا يفترض أن يطبق بحذافيره, فلا يطويه التجاهل أو النسيان، أو يطمره مر السنين والأزمان، أو يلوح به في حال دون حال، وثمة مثال واضح على هذا الواقع المؤسف, وهو تسييل البنوك والمصارف للمحافظ! وهي - في حدود رأيي الشخصي - مخالفة صريحة لنظام الرهن التجاري، المنشور في جريدة أم القرى، في عددها رقم (3991) من يوم الجمعة، بتاريخ 18/3/1425هـ، حيث نص النظام (الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/75) وتاريخ 21/11/1424هـ) على منع بيع الرهون التجارية إلا بضوابط معينة, وقد تم تجاهل البنوك هذه الضوابط والمواد النظامية حين قامت بتسييل المحافظ بعد انهيار السوق, ولنقف وقفة تأمل حول هذا النظام، لنكشف جانباً من هذا التجاهل الغريب, ومما جاء فيه:
"المادة الخامسة عشرة: إذا لم يوف المدين (وهو هنا في موضوعنا: عميل البنك أو المصرف) الدين المضمون بالرهن (وهو هنا الأسهم المرهونة) في ميعاد استحقاقه كان للدائن المرتهن (وهو هنا البنك أو المصرف) بعد انقضاء ثلاثة أيام عمل من تاريخ إعذار المدين بالوفاء أن (يطلب بعريضة تقدم إلى ديوان المظالم الأمر ببيع الشيء المرهون كله أو بعضه)" إذاً فالبنك أو المصرف لا يحق له أن يبيع الأسهم المرهونة إلا بإذن ديوان المظالم، وهو ما لم يقع فعلاً! ثم نص النظام على طريقة بيع الرهن التجاري، فجاء في المادة السادسة عشرة أنه:"لا يجوز تنفيذ الأمر الصادر من ديوان المظالم ببيع الشيء المرهون إلا بعد انقضاء خمسة أيام من تاريخ تبليغه إلى المدين والكفيل العيني ـ إن وجد ـ مع بيان المكان الذي يجري فيه البيع وتاريخه وساعته. وإذا تقرر الرهن على عدة أموال كان من حق الدائن المرتهن أن يعين المال الذي يجري عليه البيع، ما لم يتفق على غير ذلك، أو كان من شأنه إلحاق ضرر بالمدين. وفي جميع الأحوال لا يجوز أن يشمل البيع إلا ما يكفي للوفاء بحق الدائن" وجاء في المادة السابعة عشرة:"يجري البيع في الزمان والمكان اللذين يعينهما ديوان المظالم بالمزاد العلني، إلا إذا عين الديوان طريقة أخرى للبيع" إذاً فمنصوص نظام الرهن التجاري: أن الدائن المرتهن إذا حصل على إذن من ديوان المظالم ببيع الرهن، فإنه لا يحق له بيعه إلا بعد مضي مدة معينة من تاريخ تبليغ المدين، بشرط أن يجري البيع في الزمان والمكان اللذين يحددهما الديوان، ما لم يعين الديوان طريقة أخرى للبيع. فأين البنك أو المصرف عن هذه المواد النظامية؟ ويشمل الرهن التجاري في النظام كل أنواعه، ومنها: ما لو كان الرهن ورقة تجارية، كما نص عليه النظام، حيث جاء في تكملة هذه المادة:"وإذا كان الشيء المرهون ورقة تجارية يتم تظهيرها تظهيراً ناقلاً للملكية بإذن من ديوان المظالم.." وهنا يتبادر تساؤل: إذا كان الشيء المرهون معرضاً للهلاك، أو التلف (كما في الأسهم المرهونة في المحافظ مثلا) فهل للدائن (البنك أو المصرف) بيعه دون إذن ديوان المظالم؟ أجابت عن ذلك المادة التاسعة عشرة، حيث جاء فيها: "إذا كان الشيء المرهون معرضاً للهلاك أو التلف، أو كانت حيازته تستلزم نفقات باهظة ولم يشأ الراهن (وهو العميل هنا) تقديم شيء آخر بدله، جاز لكل من الدائن المرتهن أو الراهن أن يطلب من ديوان المظالم الترخيص ببيعه فوراً بأي طريقة يعينها الديوان، وينتقل الرهن إلى الثمن الناتج عن البيع، ويعين الديوان جهة إيداعه" إذاً، حتى في حالة تعرض الرهن لخطر محقق (كما لو انهارت القيمة السوقية للأسهم المرهونة مثلا) فهل يحق للدائن بيعه بدون إذن ديوان المظالم؟ أجابت عن ذلك المادة العشرون، حيث جاء فيها:"إذا انخفضت القيمة السوقية للشيء المرهون بحيث أصبحت غير كافية لضمان الدين، كان للدائن المرتهن أن يطلب من الراهن تكملة الضمان بمقدار ما حدث من انخفاض، وذلك خلال ميعاد معين. وإذا رفض الراهن ذلك أو انقضى الميعاد المحدد دون أن يقوم بتكملة الضمان، كان للدائن المرتهن أن يتقدم إلى ديوان المظالم للنظر في ذلك" والجواب إذاً: لا يحق للبنك أو المصرف أن يبيع الرهن حتى في هذه الحالة إلا بإذن الديوان، وهو ما لم يقع أيضاً!! وهنا يرد تساؤل آخر، وهو: أنه إذا كان هناك شرط بين البنك أو المصرف الدائن والعميل المدين، بأن يكون للدائن حق بيع الرهن عند عدم قدرة المدين على السداد، دون الرجوع إلى ديوان المظالم، فهل يصح هذا الشرط؟ وقد أجابت المادة الثانية والعشرون عن هذا بما نصه: "يبطل كل شرط أو اتفاق يتم وقت تقرير الرهن أو بعده يعطي الدائن المرتهن ـ في حالة عدم استيفاء الدين عند حلول أجله ـ الحق في تملك الشيء المرهون أو بيعه دون مراعاة الأحكام المنصوص عليها في المواد من (الخامسة عشرة) إلى (الثامنة عشرة) من هذا النظام.."، وبهذه المادة لا يكون شرط تسييل المحفظة (المثبت في العقد بين البنك والعميل) نافذاً، وذلك بقوة النظام، كما ترى!
ومما تقدم أعتقد أن ما قامت به بعض البنوك والمصارف بعد انهيار سوق المال، ببيع الأسهم المرهونة، مقابل أموال التسهيلات، أنه إجراء غير نظامي، بل هو مخالف صراحة لنظام الرهن التجاري، وأن لكل من بيعت أمواله على هذا النحو التظلم لدى ديوان المظالم، كما هو منصوص آخر مادة في هذا النظام، وهي المادة الخامسة والعشرون، ونصها:"يختص ديوان المظالم بالفصل في المنازعات الناشئة عن تطبيق أحكام هذا النظام" وبالتالي، فإن اعتذار ديوان المظالم عن النظر في مثل هذه الشكاوى اعتذار غير مبرر، ولا سيما أنه جاء في اللائحة التنفيذية لهذا النظام ما يدل على أن المراد بالأوراق المالية المرهونة الواردة في هذا النظام: أنها "الصكوك التي تصدرها الشركات أو الدولة من (أسهم)، وسندات قابلة للتحول (والتداول في السوق)، أو أي أوراق حددها نظام السوق المالية".
وعلى هذا، فما قام به بعض البنوك والمصارف من بيع الأسهم المرهونة دون إذن ديوان المظالم، ودون الأخذ بسائر الضوابط المذكورة آنفاً، هو مخالفة صريحة للنظام، ومحاولة التنصل من هذا النظام بحجة عدم اختصاص الديوان، أعتقد أنها محاولة يائسة لو كان وراء تلك الحقوق المسلوبة من ينادي بها، ويلح في طلبها، والله تعالى أعلم.