أسعار النفط واستعدادات "أوبك" للأزمات الطارئة
يستطيع الكثير منا أن يدرك أن أسعار النفط هشة بطبيعتها وشديدة التأثر بما يحدث في العالم وخاصة في مناطق إنتاج وتكرير النفط وقد تنهار مناعتها لأي طارئ. وعلى سبيل المثال فإن أي عمل تخريبي في أنابيب النفط في نيجيريا أو إعصار في خليج المكسيك أو اندلاع حرائق في بعض المصافي الكبيرة من شأنه أن يلقي بتبعات ثقيلة على أسواق النفط العالمية. إن حساسية أسعار النفط للاستقرار العالمي وكميات الإمدادات النفطية والاحتياطيات الاستراتيجية النفطية تتطلب من دول "أوبك" أن يكونوا مستعدين لدعم الأسواق عند حصول بعض الكوارث الطارئة من أجل استقرار الأسواق.
تنتج "أوبك" حالياً نحو 40 في المائة من النفط العالمي، هذا مضاف إليه سوائل الغازات الطبيعية NGL وكميات ليست كبيرة من النفط الثقيل المعروف بـ "النفط غير التقليدي" مثل نفط الرمال.
وبحسب مصادر "أوبك"، كما في الجدول رقم 1، فإن حصة "أوبك" من إنتاج النفط العالمي ستقفز بعد عام 2010م، وفى المقابل ستبقى حصص دول خارج "أوبك" تراوح مكانها منتجة ما قيمته 55 إلى 58 مليون برميل يومياً (مضاف لها NGL والنفط غير التقليدي). هذا يدل على أن معظم الاكتشافات النفطية المقبلة ستكون في منطقة "أوبك"، وسيبدأ تأثير دول خارج "أوبك" في الانحسار تدريجياً بعد 2010م.
من المتوقع أن يبلغ إنتاج "أوبك" من النفط وسوائل الغاز الطبيعي نصف إنتاج العالم في المستقبل القريب. ما تستطيع "أوبك" زيادة إنتاجه من النفط محدود والنمو في الإنتاج معلوم، وقد أعدت الكثير من الدراسات في هذا المجال. لكن قد تكمن بعض المتاعب من النمو غير المتوقع للاقتصاد العالمي، خاصة إذا استمرت الصين وبعض دول آسيا في النمو الكبير. هذا النمو من شأنه أن يوجد عجزاً في الكميات المعروضة من النفط، ما يجعل العرض أقل من الطلب، الأمر الذي سيشعل الأسعار، وقد يجعلها تحلق عالياً لتتجاوز حاجز 90 دولارا قريبا.
يخشى بعض الأعضاء في منظمة "أوبك" من انهيار الأسعار كما حصل عام 1999، عندما انخفض سعر البرميل إلى أقل من عشرة دولارات، ولذلك يوجد توجه في المنظمة لا يشجع زيادة الإنتاج من أجل تماسك الأسعار. باختصار لا يوجد ما يدل على انخفاض أسعار النفط، بل هي في ازدياد مستمر، وهذه الزيادة تعود إلى أسباب رئيسية، من أهمها:
زيادة الاستهلاك العالمي للنفط، مع عدم وجود اكتشافات لحقول جديدة أي ما ينتج لا يوجد ما يعوضه. فعلى سبيل المثال زاد الاستهلاك الأمريكي للنفط في السنوات العشر الأخيرة نحو 2.2 مليون برميل يوميا، قابله نقص في الإنتاج الأمريكي للنفط بنحو 1.5 مليون برميل في المدة الزمنية نفسها. وانخفضت احتياطيات قارة أمريكا الشمالية من 100 مليار برميل عام 1986م إلى أقل من 60 مليار برميل في نهاية 2006. أما الاحتياطيات العالمية، فبحسب تقرير شركة بريتش بتروليوم BP لعام 2007، فإن احتياطيات العالم لم تشهد ارتفاعاً ملحوظاً ما بين عامي 2005 و2006، بل على العكس قد انخفضت من 1210 مليارات برميل عام 2005 إلى 1208 مليارات برميل بنهاية 2006. هذا ويوجد الكثير من التساؤلات حول احتياطيات دول رئيسة في تصدير النفط مثل إيران.
الاستهلاك الصيني الهائل: على الرغم من أن نمو الاستهلاك العالمي للنفط عام 2006م كان بأقل من 1 في المائة ليصل إلى حدود 84 مليون برميل يومياً، نجد أن الاستهلاك الصيني قد نما بنحو 6.7 في المائة في المدة نفسها، وهي نسبة كبيرة جعلت الصين تستورد الكثير من النفط، ما ساعد على إيجاد زيادة في الطلب العالمي على النفط.
النمو في الصناعات البتروكيماوية: جزء كبير من مشتقات النفط يجري تحويلها إلى منتجات بتروكيماوية. فمعظم إنتاج الصين تحديداً وآسيا وأوروبا من المواد البتروكيماوية ينتج من النفط أو من النافثا تحديداً لعدم وجود الغازات اللازمة لذلك، فيتم تعويض ذلك بتكسير النافثا (مكون رئيس للنفط الخام) للحصول على الإيثيلين والبروبيلين، ويتم تهذيب النافثا وتدويرها للحصول على العطريات لاستخدامها أيضاً في الصناعات البتروكيماوية. يقدر الخبراء بأن 15 إلى 20 في المائة من النفط يستخدم في الصناعات البتروكيماوية.
الكوارث الطبيعية من زلازل وأعاصير وتأثيرها السلبي في صناعة النفط وتكريره. فخليج المكسيك أساس صناعة التكرير في الولايات المتحدة غالباً ما يكون موعوداً بالكثير من الأعاصير مثل كاترينا وغيرها، حيث أدت قوة إعصار كاترينا إلى إغلاق بعض منصات النفط والمصافي في خليج المكسيك، الأمر الذي أدى إلى قفز أسعار النفط إلى ما فوق حاجز 70 دولاراً للبرميل الواحد. وقد تم إخلاء جميع منصات إنتاج النفط في خليج المكسيك والبالغ عددها نحو 21 منشأة نفطية، تنتج نحو ربع الإنتاج المحلي الأمريكي من النفط والغاز. وفى هذا الصيف وصل إعصار جونو إلى شواطئ عمان والإمارات وإيران، فماذا سيكون الحال لو وصل جونو أو أحد إخوانه في الأعوام المقبلة إلى منشآت النفط في الخليج العربي؟
عدم الاستقرار في بعض البلدان الرئيسة في تصدير النفط مثل نيجيريا، وكذلك هنالك الكثير من احتمالات نشوب خلافات ما بين مؤيدي شافيز ومعارضيه في فنزويلا، ما قد يشعل أسعار النفط.
استمرار عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وهذه من أهم عوامل ارتفاع أسعار النفط، فمجرد نشوب النزاع في الصيف الماضي بين حزب الله وإسرائيل رفع أسعار النفط إلى مستويات قياسية. هناك الكثير من الملفات الساخنة في الشرق الأوسط مثل ملف إيران النووي والمشهد العراقي بكل مآسيه، وأخيراً الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وكذلك الخلاف التركي ـ الكردي، قد يحدث بعض الخلخلات.
صعود تكلفة الاستثمار في صناعة التنقيب والاستخراج وكذلك التكرير، ما قد يؤدي إلى إحجام المستثمرين أو تأخير الانتهاء من المشاريع الخاصة بهذه الصناعة.
عدم النمو المؤمل في استخدام الطاقة البديلة، خاصة فيما يختص بوقود وسائل النقل، رغم المحاولات الجادة لاستخدام الطاقة الشمسية والوقود الحيوي وخلايا الوقود الهيدروجينية، وذلك لعدم بلوغ التقنيات الخاصة بهذه الأنواع من الطاقة سن الرشد.
أخيراً، تعتبر المملكة أكبر منتج وأكبر مصدّر للنفط في العالم، ويبلغ احتياطي المملكة من النفط نحو ربع احتياطيات العالم الموثقة، إضافة إلى أن المملكة تنتج وحدها نحو ثلث ما تنتجه منظمة "أوبك" بجميع أعضائها الـ 12. وعليه يجب أن يستمر الدور القيادي والمبادر للمملكة في المنظمة، بحيث يليق بمكانة المملكة العالمية والنفطية.
الحقيقة أن المملكة تعتمد سياسات معتدلة تساعد على استقرار الأسواق العالمية، خاصة فيما يخص كميات النفط المعروضة. تقود المملكة حالياً حملة لزيادة مقبولة في إنتاج "أوبك" من النفط لكبح التهاب الأسعار الذي من شأنه أن يضر بالنفط وصناعته، وتعمل بجد على رفع طاقتها الإنتاجية إلى نحو 12.5 مليون برميل يومياً في السنوات القليلة المقبلة، ما سيساعد على دعم الأسعار في زمن الطوارئ.