اقتصادنا بحاجة إلى دورة اقتصادية تعالج إشكالاته

[email protected]

يقصد بالدورات الاقتصادية التقلبات التي يشهدها النشاط الاقتصادي الكلي نتيجة انتقاله الدوري بين مرحلتي الانتعاش والكساد، وهي أهم مشكلة تواجه الاقتصادات الحديثة، وعادة ما تهدف السياسات المالية والنقدية إلى الحد منها قدر الإمكان. إلا أن من إيجابيات الدورات الاقتصادية مساعدة الاقتصاد على استعادة توازنه ومعالجة اختلالات جوهرية تظهر عليه نتيجة حدة الدورة الاقتصادية، التي في حال استمرارها دون تصحيح يمكن أن تتحول إلى قنابل موقوتة تنفجر في أي لحظة. فعل سبيل المثال في مرحلة الانتعاش، تتضخم تكاليف الإنتاج وتتراجع كفاءة الاقتصاد وقدرته التنافسية، كما ترتفع قيم مختلف الأصول بصورة مبالغ فيها تضر كثيرا بالنشاط الاقتصادي وتوجيه الموارد، إلا أنه بتلاشي الانتعاش أو انتهاء "الطفرة" كما نسميها، تعود الأوضاع إلى طبيعتها من جديد، وتصحح كل هذه الاختلالات بصورة قد يحدث فيها حتى شيء من المبالغة، لكن ستكون الطفرة المقبلة كفيلة بتصحيحها من جديد، وهكذا دواليك.
وفي الدول المعتمدة على منتجاتها من الموارد الأولية، كالنفط مثلا، عادة ما تتزامن الدورات الاقتصادية مع الدورات التي تشهدها أسعار منتجاتها في الأسواق العالمية، فعند ارتفاع أسعار تلك المنتجات ترتفع قيمة صادراتها وأحجام تدفقات النقد الأجنبي إلى اقتصاداتها ما ينعش النشاط الاقتصادي، وعند تراجع الأسعار تتعرض اقتصاداتها للركود والانكماش وتظل على هذا الوضع إلى أن تعود أسعار منتجاتها إلى الارتفاع وتبدأ مرحلة الطفرة من جديد. من هنا فإن الدورات الاقتصادية في المملكة ودول الخليج الأخرى مرتبطة بظروف سوق النفط العالمية والطفرة الاقتصادية هي سنوات ارتفاع أسعار النفط الخام وفترات الركود والانكماش هي فترات تراجع أسعاره، لذا نجد أن الطفرة الأولى والثانية وحتى الحالية في الاقتصاد السعودي، هي فترات ارتفاع أسعار النفط الخام، وما بينها كانت فترات الركود ضمن الدورات الاقتصادية التي تعرض لها اقتصادنا.

من هذا يتضح أن الدورات الاقتصادية لا تحدث في اقتصادات الدول المعتمدة على صادراتها من الموارد الأولية بطريقة حدوثها نفسها في الاقتصادات المعتمدة على إنتاج السلع المصنعة، حيث تشهد أسعار صادرات هذه الدول قدرا أكبر من الاستقرار وتميل عادة للارتفاع التدريجي وفقا لمعدلات التضخم محليا وعالميا، وإنما ترتبط الدورات الاقتصادية في الدول المصدرة للموارد الأولية بشكل مباشر بالتقلبات التي تشهدها أسعار السلع الأولية التي تنتجها في الأسواق العالمية، وما لم تحدث مثل هذه التقلبات بصورة دورية فإن اقتصاداتها يمكن أن تظل في وضع ما دون تغيير مهما طالت الفترة. أو بمعنى آخر ألا يمر اقتصادها بدورة اقتصادية كاملة لسنين طويلة، بالتالي عدم امتلاك اقتصاداتها آلية ذاتية تصحح الاختلالات التي ستظهر كنتيجة طبيعية لاستمرار وضع معين، وستترك هذه المهمة لصانع السياسة الاقتصادية ليتولى مهمة مجابهة أي عوارض اختلال تظهر في الاقتصاد قبل تفاقمها، وإلا ستكون لتلك الاختلالات نتائج كارثية على استقرار النشاط الاقتصادي، باعتبار أنه طال الزمان أو قصر فإن أي اختلال سيتم تصحيحه والفرق فقط في حجم الثمن الذي سيدفعه الاقتصاد نتيجة لذلك.
ما حدث في سوق الأسهم السعودية شاهد واضح على إشكالية استطالة مرحلة الانتعاش ضمن الدورة الاقتصادية، فأسعار الأسهم السعودية عادة ما ترتبط تقلباتها بتقلبات النشاط الاقتصادي، فترتفع بقوة في فترة الطفرة وتتراجع بحدة في فترات الركود، ما يجعل من المستغرب انهيار سوق الأسهم في خضم طفرة تزداد قوة ويتوقع استمرارها لسنوات عديدة. وتفسير ذلك أنه في ظل اختفاء الدورة الاقتصادية، فإن الوسيلة الوحيدة للاقتصاد لاستعادة توازنه، خاصة في ظل عدم تبني سياسات اقتصادية مناسبة تكبح جماح الاختلالات التي يعاني منها، هو في الانهيارات المفاجئة وليس من خلال التراجعات المتزامنة مع الدورة الاقتصادية. فاستمرار الوضع الاقتصادي الجيد والوفرة المالية، يتسبب تلقائيا في ظهور فقاعات في أسعار الأصول المختلفة خاصة المالية منها مع مواصلة أسعارها الارتفاع بمعدلات تفوق ما هو مناسب في ظل معدل العائد على تلك الأصول، ولن يوقف استمرار ارتفاع أسعارها إلا انفجار فقاعتها بين حين وآخر، لتعاود الفقاعة الظهور في مكان آخر في الاقتصاد، أو حتى تعاود الظهور في المكان نفسه، كأن ترتفع السوق المالية من جديد لتنهار مرة أخرى، والارتفاع السريع في أسعار الأسهم المحلية أخيرا قد يكون مؤشرا واضحا على بدء ظهور فقاعة جديدة في سوقنا المالية يمكن أن تنفجر في أي لحظة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي