2008 سنة التعويض
في كانون الثاني (يناير) الماضي كتبت قراءة 2006 وتوقعات لعام 2007 في صحيفة أخرى غير "الاقتصادية" وقلت:
"إذا كان تباطؤ الأرباح ونمو الاقتصاد في 2006 سببان رئيسان في تراجع السوق السعودية، فإن توقعات النمو والأرباح في سنة 2007 ستلعب دوراً حاسماً في تعاملات السوق في ظل معطيات العوامل الاقتصادية والهيكلية الأخرى التي تمر بها المملكة. فمن المتوقع أن تشهد سنة 2007 نمواً اقتصادياً عالمياً أقل من الأعوام السابقة، لكنه لن يصل إلى مرحلة الركود. وسيشهد اقتصادنا المحلي نمطاً مماثلاً، إلا أن نمو القطاع النفطي قد يؤثر بشكل سلبي في نمو الاقتصاد المحلي في حال مواصلة "أوبك" سياستها في خفض الإنتاج. إلا أن الاستثمارات الحكومية والخاصة قد تلعب دوراً كبيراً خلال العام، نظراً لطبيعة المشاريع الضخمة التي تشهدها المملكة في جميع القطاعات الاقتصادية المختلفة. وهو ما قد يؤدي إلى استقرارا الاقتصاد المحلي وعودتـه إلى النـمو بمـعدلاته الطبيعية في حــدود 3 في المائة إلى 4 في المائة، وستعود أرباح الشركات إلى النمو بشكل طبيعي على عكس السنوات الماضية، مما قد يؤدي إلى استقرار سوق الأسهم المحلية، حيث قد تحقق السوق عائداً إيجابياً طبيعياً قد يصل إلى 10 في المائة. ويدعم ذلك توقعاتنا بنمو السيولة بمستويات طبيعية أيضاً، حيث إن عرض النقود الذي شهد نمواً تجاوز 12 في المائة بشكل سنوي في السنوات الثلاث الأخيرة قد يتراجع إلى بين 8 و10 في المائة، وقد يتجه جزء كبير منه إلى أنشطة اقتصادية أخرى غير سوق الأسهم، مما سيسهم بشكل كبير في استقرار السوق. ويمكن إضافة عوامل أخرى تتمثل في استمرار تعرض السوق لإصلاحات هيكلية متعددة، كانت من الأسباب الأخرى والمهمة في تراجعات السوق الكبيرة خلال 2006. فمن المتوقع أن تستمر تلك الإصلاحات الهيكلية خلال 2007، مما قد يؤدي إلى تذبذبات قوية في السوق، الأمر الذي يتطلب التعامل بحذر شديد. ولو كانت الأسباب التي أدت إلى حدة التقلبات في السوق للأعوام السابقة عرضية لهان أمر السوق، وعادت إلى طبيعتها بزوال تلك الأسباب، إلا أن التغيرات الهيكلية التي تمر بها السوق، والتي من أهمها استمرار هيئة السوق المالية في إصدار وتطبيق الأنظمة واللوائح المنظمة للمتعاملين في السوق بما فيها طرح مزيد من الشركات، وفصل البنوك الاستثمارية وخدمات الوساطة عن البنوك، مع التوقع باستمرار سلوكيات المضاربين بما فيهم الهوامير بسلوكيات 2006 نفسها، وما يتبع ذلك من أنظمة ولوائح قد تستجد للهيئة لمراقبة وحوكمة السوق، أمر يجعلني أتوقع أن تشهد السوق "تحفظا شديدا" في التعامل في سوق الأسهم المحلية خلال عام 2007. وهو ما أنصح به المتعاملين من توخي الحذر والتعامل بتحفظ حتى لا تكرر السوق نفسها وتعود إلى الانهيار، فالتحفظ المؤمل من المتعاملين سيعيد الاستقرار إلى السوق في ظل العوامل الاقتصادية والاستثمارية التي ستشهدها المملكة في 2007".
وقد تحققت قراءتي للاقتصاد بنسبة كبيرة، حيث حقق إجمالي الناتج المحلي الحقيقي نمواً قدره 3.5 في المائة في 2007، وانخفض إنتاج المملكة النفطي بحيث أثر في النمو الاقتصادي، مع استمرار القطاعين الخاص والحكومي في نموهما القوي رغم تراجعهما. وشهدت سوق الأسهم المحلية استقراراً واضحاً في ربحية الشركات، وكانت التعاملات متحفظة جداً حتى آخر شهرين من العام. فقد وصلت قيمة التداولات في بعض الأيام إلى نحو ملياري ريال. ولم تكن توقعاتنا قريبة من نمو عرض النقود والتضخم، حيث تجاوز نمو عرض النقود 19 في المائة، ووصل التضخم معدل تجاوز 5 في المائة.
ويمكنني القول إن سنة 2008 قد تكون مشابهة لسنة 2007 من حيث أداء الاقتصاد والسوق. فالسياسة المالية ستكون توسعية، مما سيؤدي إلى استمرار نمو عرض النقود بقوة مع التوقع بارتفاع معدلات التضخم. وقد تشهد سنة 2008 نمواً اقتصادياً أفضل من 2007. فنسبة النمو التي حدثت في 2007 هي مستوى طبيعي للغاية، وليس هناك ما يدعو إلى انخفاض معدلات النمو عن هذه النسبة. فإنتاج المملكة النفطي في 2008 سيتجاوز 2007، وسينمو القطاع الخاص في 2008 بنسبة أفضل مما حدث في 2007، خصوصاً أن معظم توسعات الإنتاج لمعظم الشركات سيكون في 2008. فإنتاج شركة سابك سيصل إلى 64 مليون طن مقارنة بنحو 51 مليون طن في العام الماضي. ودخلت معظم توسعات شركات الأسمنت في 2007، والبعض سيكون في 2008، ناهيك عن دخول بعض شركات الأسمنت التي أنشئت حديثا في مرحلة الإنتاج في العام المقبل.
وبالنسبة لسوق الأسهم، فإن مرحلة الثقة عادت إليه في الشهرين الأخيرين. ويبدو أن أموال ذكية استثمارية هي التي أدت إلى ارتفاعه بقوة خلال الأشهر الماضية. وهناك مزيد من السيولة الذكية التي ستدخل السوق السعودية، وسيكون جزء منها (وهو مهم) استثمارات أجنبية غير خليجية. ومن المتوقع أن يتم طرح شركات مهمة في السوق السعودية ابتداء بشركة بترو رابغ، وزين للاتصالات، ومعادن، ناهيك عن إقدام الشركات القيادية في المملكة والبنوك من زيادة رؤوس أموالها. وإذ كنت قد توقعت في بداية العام الحالي أن تحقق السوق السعودية مكاسب بنسبة 10 في المائة في نهاية 2007، وهي نظرة تفاؤلية في ظل التشاؤم الكبير الذي عم السوق آنذاك، فإنني سأكون أكثر تفاؤلاً في سنة 2008، حيث أتوقع أن تنمو السوق السعودية بنسبة أعلى من 30 في المائة. ويدعم تفاؤلنا هذا توقعاتنا بتماسك أسعار النفط، وتحقيق الشركات السعودية نمواً قوياً في ربحيتها، مع زيادة عدد الشركات المدرجة في السوق، حيث ستجلب معها سيولتها من مصادر محلية وأجنبية. لقد كانت قراءتي لسنة 2007 مشجعاً وحافزاً قوياً لمواصلة قراءتي 2008، متمنياً أن تكون السنة المقبلة سنة التعويض على كل الأصعدة.