إنقاذ الأرواح في فصل الشتاء
لعل الهجوم المباغت لفصل الشتاء هذه السنة يدعوني لأعود مرة أخرى لواجبي في تذكير الجميع بضرورة أخذ الاحتياطات من كوارث فصل الشتاء. فعلى الرغم من أن فصل الشتاء، وهو من الفصول التي تمر بعجالة وقد لا تتعدى شهرين في السنة، إلا أنها قاسية وقارصة وتحصد أكثر المصائب والكوارث من الحرائق والاختناق بغاز أول أكسيد الكربون. فنخسر أحيانا عائلات بأكملها. ولكن عندما نعود لأسباب تلك الكوارث نجد أن أسبابها بسيطة جداَ وكان من الممكن تلافيها لو اتخذنا الاحتياطات اللازمة وهي في منتهى البساطة ومن أسهل الحقائق المسلم بها والتي يدعونا ديننا الحنيف إلى عدم إهمالها منعاَ لإزهاق الأرواح. وهي احتياطات تسهم في تخفيف الكوارث ومعانات المواطنين وتجنبهم هم وأطفالهم عناء ومعانات أمراض البرد. وهذه الاحتياطات قد يهملها ويغفلها الكثيرون ولكنها في الحقيقة لها تأثيرها الكبير في تخفيف الضرر والمعانات، وعلى الأقل توفير المال والوقت في مراجعة الأطباء.
إن أكثر خسائر الأرواح تحدث في فصل الشتاء بسبب التماس الكهرباء أو الاختناق بغاز أول أكسيد الكربون. ونحن نهمل ونستخسر ريالات قليلة لوضع بعض أجهزة الكشف عن الحريق في منازلنا وأجهزة الكشف عن أول أكسيد الكربون الذي خنق حياة عائلات بأكملها أو أجهزة الإنذار للمسابح والتي ذهب ضحيتها الكثير من الأطفال. نعم إننا مهملون و"سيسألنا الله" عن هذا الاستهتار خاصة وأن هذه الأجهزة هي أجهزة رخيصة لا تتعدى عشرة ريالات للجهاز الصغير وسهلة التركيب وتعمل ببطارية عادية موجودة في البقالات وقيمتها لا تتعدى خمسة ريالات، ولا تحتاج إلى عناية لعدة سنوات. فهل نستخسر عشرة ريالات على حياة أبنائنا وأقاربنا. نحن نتصدق على الغير بأكثر من ذلك، فلماذا لا نتصدق على فلذات أكبادنا.
ومن أهم هذه الاحتياطات التي أرى أن نقوم بها خلال فصل الشتاء ما يلي:
* إغلاق فتحات التكييف الصحراوي ومراوح سحب الهواء: حيث إننا قد نحس بنوع من البرودة أو تيار الهواء داخل المنزل ولا نعلم أين مصدره، بينما هو صادر من وجود المكيف في السطح أو خارج المنزل، وهو عبارة عن صندوق مفتوح من جوانبه الثلاثة ليصب في فتحة أيضا مفتوحة على المنزل لتدخل تيار الهواء كما لو كان المكيف يعمل. وكذلك مراوح سحب الهواء في المطبخ والحمام. لذلك فإنه من الأفضل تنظيفه قبل الشتاء ومن ثم تغليفه بشراع مربوط أو كتمه حتى لا ينفذ الهواء البارد إلى داخل المنزل. ولكن يجب التذكر لإزالة التغطية قبل تشغيلها مع بدء الصيف.
* ترطيب الهواء: يعتبر الهواء الجاف عاملا مساعدا للتعرض بسهولة لأمراض البرد، خاصة في المناطق الجافة مثل منطقة الرياض. لذلك فإن وجود جهاز ترطيب الهواء (هيوميديفاير) وسط المنزل لتهوية الصالات الداخلية يعتبر أحد الوسائل الجيدة لإعطاء نوع من الرطوبة للتخفيف من الأمراض الصدرية. وتكلفته بسيطة في حدود 300 ريال لغرفة النوم. كما أن هناك أجهزة للترطيب يتم ربطها بالتكييف المركزي.
* التحفظ من البرد: بلبس الملابس الصوفية والأكوات وغيرها. ولكن الأهم هو تجنب التعرض لتيار الهواء البارد. ووضع سجاجيد على الأرضيات تكون عازلة من برد بلاط الأرضيات، ولبس شراب متين أثناء التجول في البيت وخاصة للأطفال.
* إحكام إغلاق الأبواب والنوافذ لمنع تسرب الهواء البارد إلى الداخل، وذلك باستعمال شريط إسفنجي لاصق على الإطار الخارجي للأبواب والنوافذ. وهو شريط عرضه 1 سم وسعره رخيص جداَ (10 ريالات للباب). ولا ننسى أن هناك أحيانا منافذ لدخول الهواء عن طريق سوء تمديدات مواسير وليات التمديدات الكهربائية لتدخل إلى المنزل، وهذه مشكلة بسيطة ويمكن حلها بوضع معجون على المنافذ داخل الفتحات خلف الأفياش وهي أيضا تمنع مرور الحشرات.
* التأكد من العزل الحراري: يعتبر العزل بجميع أنواعه من أساسيات التوفير في الطاقة والبناء. فإذ كان منزلك غير معزول فإن الوقت لم يفت ويمكنك وضع عزل على الواجهات الحالية ومن ثم تغطيتها باللياسة أو الحجر. مع اختيار مواد ذات مقاومة عالية للحرارة (U Value) تزيد على 0.3 في المائة مثل استعمال البلك العازل أو السيبوركس مع الصوف الصخري بسماكات أكثر من 5 سم، مع التأكد من طريقة تنفيذه، بحيث لا يكون هناك أية مسامات تسمح بدخول الهواء (البارد أو الحار) حتى بين الحوائط والأسقف الخرسانية، وبحيث يصبح المنزل مثل تغليف الثلاجة أو الترموس.
* التأكد من قوة وسماكة أسلاك وكيابل ومخارج (أفياش) التمديدات الكهربائية: وخاصة التي سيتم استعمالها لأجهزة التدفئة، حيث إن الدفاية تسحب كمية كبيرة من التيار عبر أسلاك ضعيفة يؤدي إلى تسخينها ثم احتراقها. وهذا سبب معظم حرائق فصل الشتاء. والأمر بسيط حيث يمكن استبدال وتغير سماكة وعرض مقطع هذه الأسلاك بسحبها عبر المواسير من المخرج إلى الطبلون الرئيسي. وهي تكلفة بسيطة جداَ.
إن هذه الاحتياطات كثيرة، ولكن لابد على الأقل من وجود أهمها. وهناك على الأقل ثلاثة أشياء مهمة يجب التأكد من وجودها في منازلنا وهي:
* أجهزة الكشف عن الحريق والحماية منه: وتشمل أجهزة الكشف عن الدخان والحريق وأجهزة الكشف عن أول أكسيد الكربون لمنع الموت خنقاَ بهذا الغاز. ثم أنظمة وأجهزة إطفاء الحريق التي تبدأ من نظام الرشاشات المائية والغازية إلى طفايات الحريق اليدوية، والتي هي ضرورية للمنازل والسيارات. والأهم هو وجود مخارج للحريق بدلاً من إقفال الشبابيك العلوية بالحديد، وبذلك لا يستطيع أهل المنزل الهرب من الحريق، ما يؤدي إلى وفاتهم خنقاَ قبل أن يحترقوا.
* تعليم وسائل الإسعاف السريع (CPR ): وهي أهم الأشياء التي يجب على جميع أفراد الأسرة تعلمها لإنقاذ حياة من حولهم "وستسألون"، مثل طريقة إسعاف السكتة القلبية والغرق أو انسداد البلعوم أو لسعة الثعابين السامة. ويوجد لدى الكثير من المستشفيات في المملكة جهاز فني مستعد لتعليم أفراد العائلة تلك الوسائل البسيطة، وهي في غاية الفائدة والأهمية لإنقاذ حياة أبنائنا. لأن كل دقيقة تأخير في وصول المريض للمستشفى تودي إلى الوفاة الدماغية. بينما بعض الحالات الإسعافية مثل الضغط والهز على منطقة القلب في حالات السكتة القلبية أو الضغط من الخلف على منطقة البطن في حالات الاختناقات. أو تغطية المصاب بالحريق ببطانية لإطفاء النار، وعدم رش الماء على حرائق الزيت والكيروسين! إنها حركات بسيطة وسهلة لإنقاذ حياة إنسان فلماذا لانحاول تعلمها.
* مواد الإسعاف الاولية( صيدلية المنزل): وهي مجموعة من الضمادات ومضادات السموم وأدوية التعقيم والتطهير والمسكنات للآلام وغيرها. ويمكن سؤال أي مستشفى قريب منك لمعرفة ما يجب أن تحتويه صيدلية منزلك.
لقد ذهبت حياة الكثيرين من جراء هذا الإهمال، وإذا كان صاحب المسكن لا تهمه حياته فما ذنب أسرته وجيرانه وبقية سكان العمارة أو المنازل الملاصقة له.
وكل شتاء وأنتم بخير وعافية.