مصرفي أمريكي يثير جدلا حول تعاملات الربا
قبل انعقاد المؤتمر الكندي للمجتمع الإسلامي في أمريكا الشمالية، عقد مؤتمر استمر يومين حول الصيرفة الإسلامية والتمويل والتأمين الإسلامي. وتمحور النقاش حول تحريم القرآن الفائدة التي يسميها القرآن ربا. واتضح خلال المؤتمر أن من الضروري بيان معنى الفائدة والأجزاء المكونة لها لرؤية ما هو محلل ومشروع فيها.
لو أخذنا القرض كمثال لوجدنا أنه يشتمل على تكاليف لإدارته كمسك الدفاتر, إن هذه التكاليف مشروعة ومحللة. كما يجوز للمرء أن يحسب حساب التضخم ويتقاضى عليه ويظل مع ذلك مراعياً لأحكام الشريعة ومتقيداً بها. ثم هناك عامل المخاطرة حيث يحسب حساب الديون الرديئة. أما ما هو حرام وغير جائز فهو عنصر الربح في الفائدة. وحيث إن المعدل الفعلي للتضخم والديون الرديئة لا يمكن أن يعرف إلا بعد اتضاح حقيقة الأمور، وإذا كانت التكلفة الإجمالية لهذين البندين أكثر من المتوقع، عندها يستحق المستدين أن يحصل على حسم.
ومع هذا فهناك صعوبات في هذا النهج, فلو افترضنا أن التوقع قلل من شأن التضخم والديون الرديئة، وبما أن هذين العنصرين لا يمكن معرفتهما إلا بعد انجلاء الحقيقة، فسنواجه بنكوص دائم. وفي الوقت الذي يتم فيه وضع تحديد نهائي، سيكون معدل التضخم ومعدل التخلف عن السداد متعلقين بفترة زمنية سابقة، وليس بأقرب فترة.
الربا محرم في الأديان السماوية الثلاثة
وقدم الدكتور يحيى عبد الرحمن، وهو مصرفي وعالم ورئيس تنفيذي لبيت التمويل الأمريكي (لا ربا) LaRiba, استعراضاً تاريخياً لوجهات النظر الدينية حيال الفائدة، وأكد بالوثائق تحريمها في الأديان السماوية الثلاثة.
فبينما يحرم "سفر الخروج" الفائدة، أصبح اليهود مقرضين لأن القانون حظر عليهم مزاولة العديد من الأنشطة الاقتصادية الأخرى. وبرر الفيلسوف اليهودي ميمونايديس الإقراض ولكن لغير اليهود فقط وبشروط غير مبالغ فيها. وتوجد لدى اليهود جمعيات تقدم قروضاً من دون فائدة لإخوانهم الذين هم في حاجة إلى العون المؤقت.
وفي أوساط المسيحية، قدم كالفين وتوماس الأكويني تبريراً لهذه الممارسة وأعطى المجلس البابوي موافقته عليها وفقاً لما قاله الدكتور عبد الرحمن. وفيما بعد، وأثناء العهد الفكتوري في بريطانيا، تم تأسيس التعاونيات وجمعيات البناء. ويشير عبد الرحمن إلى تطورها إحياءً للتوصية التي وردت في الإنجيل ضد العمل بالفائدة، ولكن يبدو أن أهدافاً اجتماعية أخرى كانت وراء ذلك.
انعدام الفائدة
تجنباً للفائدة، يمكن للمقرض أن يوجد منتجاً ويقرر بيعه بربح محدد مسبقاً إلى المستدين في الوقت المحدد أو أن يؤجره له . فيمكن لأحد البنوك أن يشتري منتجاً قبل تصنيعه ويحصل على حسم معين. فالمعلم الجوهري الذي تقوم عليه المصرفية الإسلامية: مشاركة البنك في المشروع الرأسمالي وفي المخاطرة.
إن تمويل شراء بيت (أو ملك عيني آخر) يشتمل على التأجير والاستئجار بغية التملك. على أن هناك تساؤلات تثار حول الفائدة الاقتصادية لهذا الترتيب. فإذا كانت أسعار الفائدة عالية، فإن هذا الشكل من أشكال الشراء مفيد، والعكس صحيح، أي أنه غير مفيد إذا كانت أسعار الفائدة متدنية. ومن ناحية أخرى، إذا كان سعر العقار يرتفع بسرعة، فإن نظام الشراء الإسلامي لن يكون مفيداً، لأن المؤسسة الممولة ستشارك في زيادة القيمة. وأرجع عبد الرحمن إمكانية انعدام الفائدة المالية إلى مبدأ ثمن كون المرء مسلماً.
تغليف الفائدة
ومن الانتقادات التي توجه إلى الممارسات المالية الإسلامية هي أنها كثيراً ما تقوم بإعادة تغليف الفائدة في أشكال أخرى، وفي النظرية القانونية، فإن جوهر العملية مقدم على شكلها. ورداً على هذه التهمة يقول المحامي وليد سليمان إن الإسلام يعطي مصداقية للشكل لا تقل عن المصداقية التي يعطيها للجوهر.
ويوجد لدى شركة UM المالية الكندية, التي تقدم خدمات تمويلية ومنتجات استثمارية مهيكلة خالية من الربا, نحو 100 مليون دولار في استثمارات في شركات الأسهم وأنشأت قرابة 400 منزل خلال سنة ونصف من تأسيسها. وأخذت بعض اتحادات الائتمان الكندية تقدم حزم الإيجار الذي يفضي إلى التملك كطريقة لتجنب الفائدة الربوية على الرهن.
ومع انطلاق خدمات الصيرفة الإسلامية، يبدو أن إمكاناتها واعدة بسبب تزايد عدد المسلمين وتنامي ثروة الشرق الأوسط . ويأمل عبد الرحمن أيضاً أن يبدي المسيحيون اهتماماً أكبر بالعودة إلى تحريم الإنجيل الفائدة، خاصة في ضوء قوة اليمين الأصولي المتدين في الولايات المتحدة.
بيد أن هناك مشكلات على هذا الصعيد. فمثلاً هناك نقص في علماء الدين الإسلامي الذين يمكن أن يشرفوا على الاستثمارات المتاحة والحلال. كما أن إعداد التقارير المالية يصبح مشكلة بالنسبة للمحاسبين بسبب التعريفات المختلفة التي تعطي للأنشطة. وعلى الصعيد التجاري يعتد القطاع الإسلامي غير مفيد لأن الفائدة جزء من نفقات العمل وهي غير متاحة لهم. وكما يقول عبد الرحمن، هذا هو ثمن كون المرء مسلماً. كما أن الاعتماد على العلماء لإصدار الأحكام حول الأشياء المحللة يضع قيوداً على الحكم الرشيد للشركات، وفي ذلك مخالفة للقواعد القياسية لهذا الحكم. وإن تقديم باقة كاملة من الخدمات الإسلامية تحت سقف واحد أمر يتسم بالصعوبة، لأن تقديم بعض المنتجات ( مكافِئات الرهن المنزلي) أسهل من إيجاد مؤسسة مالية تقدم جميع الخدمات.
ونشأ خلاف مهم بين اثنين من المتحدثين في إحدى الجلسات الخاصة بالطلاب وكان مدار الخلاف حول مشروعية القروض الطلابية. إذ قال أحد الخبراء إنها غير مشروعة لأن التعليم ليس من الضرورات الأساسية. وقال الآخر إن التعليم شيء أساسي وإذا لم يكن هناك من سبيل آخر، عندها يكون القرض الطلابي أهون الشرين. إن هذا الاستثناء ربما يفتح الباب لإعادة تفسير نظرة الإسلام للفائدة. وعندما سئل طارق رمضان عن الفائدة، رد بأن المسلمين في الغرب مضطرون إلى التعايش مع الفائدة رغم أنهم ربما يجدون بعض الطرق للالتفاف حولها في بعض الأمور.
نقلا عن "آراب أمريكان نيوز"