"نظر في قاعدة المصالح"

"نظر في قاعدة المصالح"

عند القراءة فيما كتب في مقاصد الشريعة نرى ذكرا لمقصد عظيم من مقاصد الشريعة وهو ما يعبر عنه بقولهم "الشريعة جاءت لجلب المصالح ودفع المفاسد" وتحت هذا المعنى الكلي ينبغي التنبه إلى أن هذه القاعدة أو المقصد لا بد أن يقيد فيها اعتبار المصلحة أو المفسدة برسم الشريعة، وموجب هذا القيد جملة من المعاني منها: أن أصل التشريع إنما جاء لتحقيق مقام العبودية لله ـ عز وجل ـ بعيدا عن أهواء النفوس المحضة ورغباتها: )ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن(.
ومنها أن ما من مصلحة أو منفعة للمكلفين في الغالب إلا وقد يعتريها نوع من النقص، وفي المقابل يشوب كثيرا من المفاسد أو المضار للمكلفين شيء من المنافع، وأنت ترى أن الله سبحانه قال: )يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما(، فمن هنا كان المعتبر في المصلحة أو المفسدة هو الجانب الأكبر والأعظم منها، ومرد ذلك هو قضاء الشارع.
ومن موجبات هذا القيد أن المتأمل للمصالح والمفاسد يرى أنها إضافية في كثير من مواردها، تختلف باختلاف الأحوال، فقد تكون المصلحة أو المفسدة معتبرة في مكلف دون غيره، أو في وقت دون آخر، أو في حال دون أخرى، فكم من أمر هو في بادئ الرأي مصلحة في الظاهر يكون في حال قوم من المفاسد، وكذلك العكس.
وتحت هذا لا يمكن أن يصار إلى ما ذكره بعض متكلمة الأصوليين من إطلاق الإذن في المنافع، أو المنع في المضار، ولا سيما إذا علمنا أن الشارع إنما جاء خطابه على مقام من الاعتبار لاختلاف الأحوال والأشخاص، فترى الشيء مأذونا به في حال دون حال.
والقصد أنه لا يمكن أن يناط تقرير المصلحة أو المفسدة إلى نظر المكلفين القاصر فقط، وإنما يرجع في ذلك إلى أمر الشارع أو نهيه وما يقتضيه من المصالح والمفاسد، ولا يعني مثل هذا تجريد النظر في المصالح والمفاسد عن حال المكلفين، لأن من المعلوم أن من المصالح ما هو محل اتفاق بين العقلاء، كما أن من المفاسد ما هو محل اتفاق بينهم، ولكن الناظر إلى ما هذا مقامه يرى أن الشارع قد جاء بتقريره واعتباره ابتداء قبل نظر المكلفين، والله الهادي.

الأكثر قراءة