رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الطبقة الوسطى بين الجشع الرأسمالي وغياب الأنظمة

[email protected]

لا أشك أن الحقبة الزمنية من عام 2000 إلى 2015 تعد فترة انتقالية للمملكة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، نظرا لما تحمله سنواتها من تغيرات حذرية على الخريطة المحلية. ومبدأ هذه الفرضية يكمن في التغيرات الاقتصادية من ناحية الناتج الإجمالي المحلي وما يتبعه من توسع القطاع الخاص وفرص الاستثمار المتوافرة له، وكذلك التغيرات الاجتماعية من ناحية التركيبة الطبوغرافية على مستوى عدد السكان ومتوسط أعمارهم ومستقبل الجيل الجديد.
فمن الناحية الاقتصادية نرى توسعا للتطبيق الرأسمالي بشكل كبير من ناحية ازدياد ثروات فئة محدودة من المجتمع على حساب زيادة الفجوة الاجتماعية بينهم وبين الطبقة المتوسطة للمجتمع، ما يشير إلى إمكانية تآكل الطبقة الوسطى على حساب ازدياد الطبقة الدنيا. ولعل المتغيرات الاقتصادية المصاحبة مثل اتساع السوق المالية وعملية الإدراج للعديد من الشركات سواء العائلية أو ذات المسؤولية المحدودة لأصحاب رؤوس الأموال الأصليين، وكذلك الخبرات الكبيرة والفرص الاستثمارية الكثيرة التي تمر على طاولة أصحاب الثروات والمصالح يجعل من ارتفاع تلك الطبقة ماديا أمرا محسوما.
ومن الناحية الاجتماعية نرى أن السواد الأعظم من مجموع عدد السكان يقل عن الثلاثين عاما، ما يعني زيادة الاحتياجات الحياتية للجيل الجديد، وهذه الاحتياجات تجد من يلبيها من القطاع الخاص أولا على شكل قروض شخصية يتبعها قروض حياتية كقروض السكن وغيرها بنسب فائدة عالية مقارنة بالدول الأخرى. هذا العمل الإقطاعي يجعل هذا الجيل مرهونا لأصحاب الثروات، ويجعل هناك تبعية اقتصادية بين مطرقة متطلبات الحياة وسندان الجشعان الرأسماليين. وهنا لست ضد الرأسمالية كمبدأ ولكن لي تحفظ كبير عليه كتطبيق، لأن التطبيق يحتاج إلى عوامل كثيرة تسهم في جعل الرأسمالية مبدأ متكاملا من ناحية الأمور التشريعية والتطبيقات الاستثمارية التي تخدم المجتمع، ويبدو لي أننا أخذنا أسوأ ما في النظام الرأسمالي الحديث وجهلنا أو تجاهلنا محاسنه.
إن الحاجة إلى مؤسسات المجتمع المدني أصبحت ملحة أكثر من أي وقت مضى، فهي تكفي الدولة من المتابعة المستمرة لمصالح المواطنين ويبقى دور المؤسسات الحكومية تشريعيا بالدرجة الأولى وتنفيذيا بالدرجة الثانية. ولعل أهم المستجدات التي تمس الطبقة الوسطى في هذا السياق هو التضخم التي تشهده أسعار السلع الأساسية خلال السنة الماضية تحديدا، هذا التضخم وإن كان هناك مبررات اقتصادية لجزء منه مثل التضخم المستورد، وهو انتقال معدلات التضخم العالمية من الدول المصدرة إلى الدول المستوردة، إضافة إلى تضخم جذب الطلب وهو ارتفاع معدلات السيولة في الاقتصاد، ما ينتج التضخم وهو ما يحدث بشكل واضح لدينا، إلا أن الجزء الأكبر من التضخم جاء بسبب غياب القوانين الصارمة في مواجهة ارتفاع الأسعار غير المبرر من قبل جشع رجال الأعمال، ما جعل المواطن يتحمل هذا الغلاء المعيشي، وبالتالي فإن الطفرة الاقتصادية التي خلقت الطبقة الوسطى تكاد تكون هي الخطر الذي يهدد بقاءها.
ولعل أهم القطاعات التي تهدد مستقبل الطبقة الوسطى هو القطاع العقاري المتمثل في القطاع السكني الذي يشهد تضخما كبيرا، وهو وإن كان العامل المهم فيه ارتفاع أسعار المواد الأساسية للبناء، إلا أن سن قوانين حكومية في مواجهة ذلك التضخم أصبح من الضروريات، ومن ذلك إعطاء ارتفاع أكبر للعقارات السكنية، ما يزيد العرض ويجعل من إمكانية السيطرة على ارتفاع الأسعار هو مسألة رقابة من قبل القطاعات ذات العلاقة.
إن موضوع الطبقة الوسطى وأهميته لمستقبل الأمم أمر محسوم، وإعادة إثباته يحتاج إلى صفحات أخرى من التحليل، واليوم نحن في أمسّ الحاجة إلى المحافظة على اتساع تلك الطبقة للمحافظة على مستقبل هذا البلد المتميز عن طريق تطبيقات تضمن هذا الاتساع، ولعل الأنظمة والقوانين الحكومية هي مربط الفرس لكبح جماح الجشع الرأسمالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي