رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الأبحاث والتربية والتعليم.. تداخل الأولويات في جامعاتنا

[email protected]

كتبت مقالة منذ أكثر من ستة أشهر بعنوان "الدكتور الدكتاتور" أوضحت فيها الآثار السلبية المترتبة على جيل الشباب المتخرجين في جامعاتنا من أسلوب تعامل الكثير من الدكاترة والمسؤولين مع الطالب، حيث يعاني الطلبة تعسف هؤلاء باستخدام صلاحياتهم وسلطاتهم، ومن ضعف المادة العلمية التي يقدمونها، ومن ضعف ما يضخونه في عقل الطالب من قيم إيجابية ومفاهيم سليمة، وقلت إن هذا يؤصل لقاعدة كبيرة وغير سوية من مسؤولي المستقبل، الذين سيتعاملون مع مرؤوسيهم ومراجعيهم بالأسلوب نفسه الذي اعتادوه من الدكاترة المتسلطين.

أعتقد بل أجزم أن الجامعات مهمتها الأساسية تتمثل في تخريج طلبة على مستوى تربوي عال، يتمتعون بقيم إيجابية راقية ومفاهيم سليمة ومعارف أساسية في مجالات تخصصاتهم وقدرة كبيرة على التصدي للقضايا والمشكلات التي تواجههم من خلال التحليل العلمي والتشخيص المنهجي والتفكير الابتكاري والتنفيذ الإبداعي، وأن مهمتهما كمؤسسة بحثية تأتي في الدرجة الثانية من خلال تنفيذها أبحاثا لأهداف مزدوجة حيث تهدف لتنمية قدرات منسوبيها وطلبتها البحثية كما تهدف للإسهام في خدمة قضايا المجتمع التي تستدعي جهودا بحثية لمعالجتها أو لتطويرها.

والسؤال الأول، هل تلعب جامعاتنا دورها التربوي كما هو متوقع منها وكما هو مأمول لكي نستطيع أن نفرق بين من أنهى دراسته الجامعية ودراسته الثانوية في بلادنا من الناحية السلوكية؟ ولأوضح لكم ذلك أكثر أقول لنستطيع أن نفرق بين قيادة السيارة لطالب أو خريج جامعي أو طالب أو خريج ثانوي؟ بالطبع لا ولقد رأيت مدرسا متخرجا في إحدى جامعاتنا الموقرة يخرج من إحدى الثانويات يسير بسيارته عكس السير أمام الطلبة ضاربا أروع الأمثلة الأخلاقية التربوية أمام طلبته!

كيف يربى الطالب الجامعي على الحوار وهو لا يتمكن من محاورة الدكتور؟ كيف يربى الطالب على سماع وجهة نظر الآخر، وهو لا يستطيع أن يسمع الدكتور وجهة نظره؟ كيف يربي الطالب على فضيلة الرجوع عن الخطأ، وهو يرى الدكتور لا يتراجع عن الخطأ بل يصر عليه ويعاقب من يظهر له خطأه؟ كيف يربى الطالب على معاقبة المرؤوس المخطئ بحق الآخرين، وهو يرى المسؤول الجامعي يقف مع الدكتور المخطئ ضد الطلبة ويبرر أفعاله؟ وكيف وكيف وكيف؟ وكلنا يعلم أننا نعاني اليوم من مسؤولين يعملون في الأجهزة الحكومية كافة لا يستطيعون سماع المراجع ويضيقون ذرعا بشكواه، ويتفازعون ضد المراجع أيا كان إذا اشتكى على أحدهم وإن كان مظلوما ظلما بواحا لا يمكن تبريره بحال من الأحوال، وما ذلك إلا نتيجة حتمية للمنهج التربوي التعسفي الذي تلقاه هؤلاء المسؤوون أثناء دراستهم الجامعية من قبل الدكاترة الدكتاتوريين والمسؤولين الجامعيين المتسلطين.

وإذا كان هذا حال المهمة التربوية، فالسؤال الثاني الكبير ما حال المهمة التعليمية؟ يقول لي أحد مسؤولي التوظيف إنه قابل مرشحا لوظيفة مترجم لغة ألمانية متخرج في إحدى جامعاتنا، وإنه رحب به بالألماني فلم يرد عليه هذا المرشح، وهنا أدرك المسؤول أن المرشح لا يفقه ألف باء اللغة الألمانية ويحمل شهادة خريج، ولقد قابلت أحد خريجي اللغة العربية في الجامعة ذاتها لا يستطيع أن يكتب قطعة سليمة معنى أو لغة، والأمثلة كثيرة، وكلها تشير لضعف التحصيل العلمي الذي يتلقاه الطلبة، وهذا الضعف مرتبط بالتسلط أيضا، يقول لي أحد الطلبة إن لديهم دكتورا يجلس طوال المحاضرة يقرأ من كتاب ولا يسمح لأحد أن يناقشه أو يسأله، فما علينا أن نكتب وراءه وأن نشتري الملخصات من المكتبات ونجيب عن أسئلة الامتحان والسلام.

أما حال المهمة البحثية فكلنا يعلم أنها في أسوأ حالاتها ولا ذنب لجامعاتنا في ذلك، فالبحث مرتبط بالتطوير، والتطوير مرتبط بالتنافسية، ومؤسساتنا الخاصة الكبرى في منأى عن التنافسية طوال السنوات السابقة، حيث تنعم بالحمائية والدعم والتفضيل، وبالتالي فإن البحث بضاعة مزجاة لا طالب ولا خاطب لها، بل ولا داعي لها، فلماذا البحوث في غياب الحاجة للتطوير، فالبحث والتطوير متلاصقان فبالبحث نتمكن من التطوير، وعندما نتطور نحتاج إلى المزيد من البحوث للمزيد من التطوير وهكذا، وعدم الحاجة وضعف الطلب على الأبحاث أدى لضعف منظومة البحث والتطوير بشكل كامل في بلادنا وبالتالي فإن جامعاتنا في حل من هذا الإخفاق ولا ذنب لها البتة في ذلك.

واليوم تخرج علينا الجامعات وكأنها قامت من غفوة عميقة بنغمة لم نعتدها حيث وعت على أهمية دورها البحثي، وها هي تعلن وتعلم وتبرق وترعد وتعد العديد والعدة، وتعدنا بمستقبل مشرق وباهر نتيجة لما ستقوم به من جهود بحثية وما يترتب عليها من نهضة شاملة وتنمية مستدامة، وأقول لا بأس، لا بأس وبارك الله في جهودكم التي تتسق مع توجهات الدولة في تطوير مكانة البحث في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، خصوصا في القطاعات ذات الصلة بأمن البلاد والقطاعات الاقتصادية الحيوية مثل النفط والغاز وصناعة البتروكيماويات والمشتقات النفطية، والقطاعات ذات الصلة بجودة حياة المواطن مثل الصحة والتعليم والمواصلات والاتصالات، ولكن لا تنسوا الأولويات: التربية ثم التربية ثم التربية ثم التعليم.

أعتقد أيها المديرون الأعزاء يا من تسلمتم مهامكم في السنة الماضية خلفا لسابقيهم أن عليكم أن تلتفتوا أولا للمهام التربوية والتعليمية المتهاوية كمهام ملحة وذات أولوية يجب معالجتها والنهوض بها بأسرع وقت ممكن من خلال آليات قابلة للتطبيق بحيث ننتج خريجين يحملون كما كبيرا من المعارف والمهارات والقيم والمفاهيم السلمية، التي تجعل منهم سواعد بناء لا معاول هدم في بناء مجتمعنا واقتصادنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي