رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


العرب والسلام التائه

[email protected]

بات واضحا أن مؤتمر أنابولس للسلام، كما سمي، لم يسهم في التقدم ولو خطوة واحدة لإخراج السلام من تيهه المستمر منذ مؤتمر مدريد وحتى اليوم، فهذا المؤتمر لم يكن أكثر من مؤتمر علاقات عامة للإدارة الأمريكية وهي في أواخر أيامها وهي مثقلة بالسمعة السيئة، وإذا كانت هناك مكاسب عربية من ذلك المؤتمر فهي لن تتجاوز التأكيد على أن الصراع العربي الصهيوني لا زال مشكلة دولية رغم اتفاقيات ومعاهدات السلام من ناحية، وتأكيد عربي من ناحية أخرى على صدقية توجههم إلى السلام ولكن دون تفريط بالحقوق.
من الواضح والمعلن أن قرار العرب باتخاذ سبل الحل السلمي للصراع العربي مع العدو الإسرائيلي هو قرار حقيقي أو كما يسميه البعض أنه خيار استراتيجي، وهو وصف فيه مخاطر كونه يقفل أبواب أخرى قد يضطر لها فيما لو تمنع الطرف الآخر كما هو جاري الآن من قبل السياسة الإسرائيلية غير المتجاوبة، وترجم العرب قرارهم ذلك عمليا باعتماد مشروع عربي متكامل للسلام وهو الصادر من قمة بيروت عام 2002 والمقدم من المملكة العربية السعودية، ومع أن ذلك المشروع، الذي تضمن حزمة سلام شامل وكامل وفق قاعدة مؤتمر مدريد الدولي للسلام عام 91م، وهي "الأرض مقابل السلام"، يعطي "الدولة" الصهيونية ما تحلم به وهو اعتراف عربي بها والمقامة على أراض فلسطينية محتلة في عام 47م، اغتصابا، مقابل دولة فلسطينية كاملة السيادة على ما تبقى من فلسطين ضمن حدود 67م، بعاصمتها القدس وعودة اللاجئين والانسحاب من بقية الأراضي العربية المحتلة في الجولان ولبنان وليس وفق قرار التقسيم، إلا أن الكيان الصهيوني لم يتجاوب مع ذلك المشروع ورفضه ولم يعترف به إلا مراوغة، كما أن المجتمع الدولي ممثلا في مجلس الأمن لم يمارس دوره حسب ميثاقه بحفظ الأمن والسلام العالميين حين لم يتدخل ويمارس مهامه في التجاوب مع هذا العرض العربي السخي بالسلام النهائي والشامل والمتوازن.
أمام هذا الموقف الإسرائيلي غير المتجاوب والموقف الدولي والذي كأنه غير معني بهذا الصراع المزمن كما أصبح معنيا بقضية دارفور مثلا، لا بد من أن يتخذ العرب موقفا حاسما حيال قضية السلام المنومة إسرائيليا بمسكنات أمريكية والمسجاة في غرفة عناية مجلس الأمن، فبعد مرور أكثر من أربع سنوات على اعتماد المشروع العربي للسلام دون وجود آفاق لاعتماده كحل حقيقي يعطي ويأخذ، ودون تجاوب دولي وإسرائيلي معه، فإن الحل يكمن في موقف عربي قوي يفرض على إسرائيل وعلى المجتمع الدولي أخذ الأمور بجدية والتوقف عن التجاهل وترك الأمور تنساق من أزمة لأخرى دون وجود لآفاق حل أو حالة تخفيف حدة الاحتقان نتيجة لاستمرار السياسة الإسرائيلية التصعيدية في مضيها في عمليات الاعتداء اليومي على الفلسطينيين في مدنهم وقراهم وتماديها على مقدساتنا كما هو جار في القدس من حفريات تهدد أساسيات المسجد الأقصى الشريف، والحل يكمن في أن يتوجه العرب بقرار يطالب المجتمع الدولي ممثلا في هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ولـ "الدولة" العبرية يعبر فيه العالم عن جدية عرضه مطالبا إياهم بالرد النهائي على هذا العرض العربي للسلام في فترة وجيزة، ومتضمنا هذا القرار أيضا رؤية عربية تقول سلام أو لا سلام، بمعنى أن نقول إن المشروع العربي لن يبقى معروضا في الهواء الطلق منتظرا مشتريا وراغبا إلى ما لا نهاية، فعلى هذه "الدولة" العبرية قبول العرض كما هو ودون الدخول في مفاوضات تسويفية كما جرت عليه وبناء على تجربة معها، أو أن تعود الأمور إلى مجالات الصراع المفتوح عسكريا وسياسيا واقتصاديا، وهو ما يلزم بأن تكون علاقات بعض الدول العربية مع الدول العبرية جزءا من أدوات الضغط إما بقطعها من البعض ممن ليس مقيدا باتفاقيات ملزمة، أو بتقليصها إلى الحد الأدنى لتكون مجرد علاقات صورية فقط مع من هو ملزم باتفاقيات، وهذا ليس مطلبا خياليا أو مستحيلا، فعندما اقترب مثلا موعد القمة السابقة في الرياض صاحبه مشروعه السلام، وتوجسا من أن تتخذ القمة موقفا تصعيديا كالذي أشرنا إليه، خرج علينا أولمرت بكلام واضح منه أنها محاولة خادعة لتخدير العرب بطعم اعتباره المشروع العربي أساس يمكن التفاوض عليه، وآه من التفاوض مع مثل الدولة العبرية التي تشهد عليها مفاوضات الرئيسين الراحلين أنور السادات وياسر عرفات وكلاهما وقع اتفاقية سلام، الأول نفذها بطلوع الروح ولم تستكمل في حياته والثاني دفع حياته ثمنا لعدم قبوله بالعروض المضحكة التي عرضت عليه في كامب ديفيد.
كانت أنابولس محاولة أمريكية ساذجة تصورت بأنها يمكن أن تحقق من خلالها قفزة بتحقيق تطبيع ولو شكلي بين إسرائيل والعرب في ذلك المؤتمر، ولكن كان الموقف العربي حازما وقويا حين أكدوا ونفذوا بأنهم ليسوا ذاهبين للمصافحات والتقاط الصور التذكارية، كما صرح بذلك الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، الشيء الوحيد الذي خرج به مؤتمر أنابولس هو "إطلاق" المفاوضات على المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية، وآه من هذه الكلمة التي جربت وعلى مدى سنوات بعد مدريد ولم تتمخض إلا عن تراجع عن السلام على يد شارون الذي قضى عليه، فالسلام مازال تائها وسيظل تائها كما كان على مدى يقرب من عقدين من الزمن، وهذا ما أكده رئيس وزراء العدو الصهيوني الأسبق أثناء مؤتمر مدريد إسحاق شامير حين قال سوف نظل نتفاوض معهم، أي العرب، إلى نهاية الدنيا دون أن نتوصل إلى شيء، وعلينا الحساب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي