خداع المستهلك!
في عصرنا الحاضر كثرت مظاهر الخداع والتضليل, وساهم في ترويج هذه المظاهر التوظيف الخاطئ لوسائل التقنية الحديثة, فمثلاً على الصعيد المالي, أضحى من اليسير على التاجر غير النزيه أن يضلل عموم المستهلكين عبر إعلان تجاري, أو عبر تسويق دعائي, باسم التخفيضات, أو مهرجان التنزيلات, سواء ببيع بضاعة محلية أو مستوردة بأغلى الأثمان, أو بالترويج لمنتج مقلد, أو بالتخلص من سلعة طمرها القدم, أو طواها النسيان, وذلك من خلال تسويقها عن طريق كثير من الدعايات المضللة التي ليس لها من الواقع رصيد إلا الاسم, وكفى, والضحية أولاً وآخراً هو المستهلك, الذي تلقف يده ما يأفكون! ويزيد هذا التضليل دناءة وخبثاً حين يلامس ذروة غلاء الأسعار!! ويزيد قبحاً حين يكون مع حلول شهر رمضان المبارك, مستغلاً إقبال الناس على التسوق والتبضع, مستبدلاً الذي هو أدنى بالذي هو خير, أعني: مستبدلاً صفة الجشع والاستغلال بصفة الجود في رمضان, مخالفاً بمقدار (180درجة) منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود الناس (وكان أجود ما يكون في رمضان), فلم يكن هذا التاجر من أجود الناس عطاء وبذلاً في رمضان, ولكنه كان من أجودهم ابتزازاً, وأكثرهم خداعاً!! وحتى أضع النقاط على الحروف, أنقل هذا التقرير الذي نشر في جريدة "الرياض" يوم الخميس الماضي 8/9/1428هـ, وفيه:"حذرت وزارة التجارة، من تقديم بعض الأسواق المركزية لعروض ترويجية وتخفيضات على السلع التي تبيعها تفتقر فيها للمصداقية، مبينة أنها قد رصدت بعض المخالفات في عروض بعض المراكز التجارية وعدم مصداقية بعضها". وقالت "التجارة" في تعميمها الصادر من الإدارة العامة لمكافحة الغش التجاري والتقليد، الموجه للغرف التجارية - لتأكيده على منتسبيها: إنه لوحظ قيام عدد من الأسواق المركزية بعمل عروض ترويجية وخصومات على بعض السلع والإعلان عن ذلك وتوزيع نشرات ومطبوعات تحوي بيانات خادعة، مضيفة أن هذا العمل يعد خداعاً للمستهلك, ومخالفة لنص المادة رقم (1/د) من نظام مكافحة الغش التجاري, والخاصة بوصف السلعة خلافاً للواقع, أو الإعلان عنها أو عرضها بأسلوب يحوي بيانات كاذبة أو خادعة" وهنا أتساءل, ويتساءل كل مستهلك: كيف يرضى التاجر المسلم لنفسه أن يكون من سماته الكذب, وأن يكون من صفاته التضليل والخداع! وهو يعلم جيداً – أو هكذا ينبغي له أن يعلم - أن صفات كهذه لا تنتج إلا إثماً, ومحقاً, كما قال صلى الله صلى الله عليه وسلم للمتبايعين, مرشداً لهما:(فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما, وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما) متفق عليه. وليظفر التاجر بأيهما شاء؛ بالصدق والبيان مع البركة, أو بالكذب والتضليل مع المحق! ونتساءل أيضاً: كيف يليق بمن يؤمن بالله واليوم والآخر أن يأكل أموال الناس بالباطل عبر دعايات مضللة, وإعلانات لا تحكي إلا خلاف الواقع, والله تعالى يقول:(يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وهل التخفيضات المخالفة للواقع, والمنشورات التي تحوي بيانات مخادعة ومضللة إلا نموذج غير مشرف لأكل أموال الناس بالباطل, وبغير وجه حق؟ إن الكثير من التجار لا يتأثر بقوارع القرآن, ولا يرفع رأساً لمواعظ الدين, ومن هنا يتأكد الأخذ بمبدأ:(إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) ولذا, فإنه ينبغي على الجهات المعنية ملاحقة أولئك الذين يرفعون من صروح حساباتهم البنكية بلبنات أموال الناس بغير طيب نفس من أصحابها, وإصدار العقوبات المناسبة ضدهم, ثم إني أتساءل كما يتساءل كثيرون: أين هي لجنة مكافحة الغش التجاري, وأين هي لجنة حماية المستهلك؟ وكم هم كوادرها وموظفوها الذين يقومون بمتابعة وتغطية هذه المحال والأسواق التجارية التي تبتز الناس باسم التخفيضات والخصومات, في طول المملكة وعرضها؟ ولماذا لا يعلن عن هذه الممارسات الواقعة من أولئك الباعة والتجار, وما يتم حيالها من إجراءات رادعة؟ وذلك ليرتدع من تسول له النفس العبث بأموال الناس المحترمة عبر التلاعب بالمصطلحات, وعبر الغش والتضليل والخداع؟ أين هي بصمات هذه اللجان على أرض الواقع؟ أم تسمع بالمعيدي خير من أن تراه؟! إنه لا يمكن محاصرة هذه السلوكيات المخالفة أو الحد منها إلا من خلال مراقبة واعية, وعقوبات صارمة, مع تفعيل دور الحملة الأهلية الجديدة لحماية المستهلك, وذلك حتى يمكن تجفيف منابع الجشع, الذي ألقى بظلاله السلبية على دخل الفرد والمجتمع, والله تعالى وحده الموفق, والهادي.