هل آن الأوان للاستثمار في القطاع العقاري الأمريكي؟

[email protected]

تتميز التعاملات المالية والبيئة الاستثمارية العالمية بتزامن بروز الفرص الكبرى مع الأحداث الكبرى كالأزمات المالية والاقتصادية، اكتشافات الموارد الطبيعية، وحتى الحروب. فعلى سبيل المثال، برزت فرص استثمارية استثنائية لمنشآت من القطاع الخاص الخليجي إبان حرب الخليج عام 1991 والحرب الأخيرة في العراق عام 2003، حيث شملت الفرص الاستثمارية عقود التوريد، المساندة، الإعمار، التخزين، وغيرها من النشاطات الاقتصادية المرتبطة بالأزمات وما يتبعها.
وكمثال آخر، فكما أن أزمة أسواق المال الآسيوية في عام 1997 التي ابتدأت في تايلاند وشملت معظم العملات وأسواق المال في دول جنوب شرقي آسيا قد أثرت سلباً في أداء أسواق المال ورفع مخاطر العملة، السيولة، والمخاطر النظامية لهذه الأسواق، فإن انخفاض عموم أسعار المنتجات الاستثمارية وأسواق المال بما في ذلك أسعار الأسهم في هذه الأسواق بعد ذلك قد خلق فرصا استثمارية مغرية للمستثمر العالمي، الذي لا يعاني من شح في السيولة وانكشاف على أسواق دول جنوب شرقي آسيا. لذلك، ومع الأداء الاقتصادي القوي للولايات المتحدة حينذاك وتوافر السيولة لدى المستثمرين في الأسواق الأمريكية، فقد توجهت السيولة الاستثمارية الذكية وعلى وجه الخصوص استثمارات القيمة إلى اقتناص حصص في الشركات التي تأثرت من المخاطر النظامية للسوق، ولكنها تتمتع بقدرة كبيرة على الاستمرار في النمو وتحقيق العائد بعد هدوء سيكولوجية السوق وعودة التروي في اختيار الاستثمارات إلى هذه الأسواق. وكانت النتائج واضحة بعد ذلك عند هدوء عاصفة الأزمة المالية، حيث تبيّن أن عددا لا بأس به من الشركات المدرجة في أسواق جنوب شرق آسيا المالية مقيمة بأقل من قيمتها الحقيقية وتشكل إغراء لعودة المستثمرين إلى هذه الأسواق نظراً لجاذبيتها النسبية وتفوق مكرراتها مقارنة بالأسواق العالمية الأخرى في ذلك الحين. وعموماً، فإن الإصلاحات الهيكلية والمؤسساتية الاقتصادية والمالية في أسواق جنوب شرقي آسيا كانت قد لعبت دوراً مسهلاً لعودة المستثمرين الذين توصلوا إلى قناعة تشير إلى أن ترافق الإصلاحات مع إغراء المكررات والعوامل الخاصة بالشركات تعتبر المعيار الأول لتقييم العائد المستقبلي، وبالتالي العودة إلى السوق وإعادة التوازن إليها.
وكما هو معلوم، فإن أزمة الائتمان العالمي الناتجة من أزمة سوق الرهن العقاري الأمريكية وأدوات الائتمان المتعلقة بتسنيد قروض الرهن العقاري التي تسبب في انهيارها التوسع في منح القروض منخفضة الجودة لعملاء لا يتمتعون بماض ائتماني جيد قد أدت إلى تداعيات طالت الكثير من القطاعات والمؤسسات المالية المرموقة، بما في ذلك مؤسسات تقييم الائتمان. وكحال الأزمات المالية والاقتصادية الأخرى، فإن أزمة الرهن العقاري الأمريكية وتداعياتها على أسواق المال عموماً، والشركات المرتبطة بنشاطات وأعمال مرتبطة بالقطاعين العقاري والمالي على وجه الخصوص، قد أدت إلى تراجع كبير في أسعار أسهم هذه الشركات نظراً لردة الفعل وسيكولوجية الأسواق التي تتوقع الأسوأ دوماً. ولكن، في الأعوام القليلة الفائتة، ومنذ عام 2004، فإن الفوائض المالية والسيولة العالمية بدأت في التركز لدى كبرى الدول المصدرة للنفط نظراً لوصول أسعاره لمستويات قياسية بجانب الاقتصادات الناشئة ذات مستويات النمو الاستثنائية كالصين والهند.
ولا بد للسيولة الفائضة من أن تبحث عن قنوات استثمارية لتوظيف هذه العوائد بما يضمن تعظيم المنفعة من استثمار هذه الفوائض، وبما يسمح باغتنام الفرص الاستثمارية، التي تتناسب مع صفات العائد والمخاطرة المستهدفة من الجهات الاستثمارية، سواء أكانت صناديق سيادية، مؤسسات قطاع عام، أم شركات القطاع الخاص. لذلك، بدأنا نشاهد موجات استثمارية تستهدف تملك حصص استراتيجية في مؤسسات مالية وغير مالية تضررت من التراجع العام في أسعار الأسواق الغربية كاستثمارات دبي إنترناشونال كابيتال في شركة الطيران والفضاء الأوروبية، شركة سوني، وبنك إتش إس بي سي، إضافة إلى تملك هيئة أبو ظبي للاستثمار (آديا) في سيتي بنك من خلال السندات القابلة للتحويل. إذن ابتدأ الاستثمار بتملك حصص في شركات ليس لها انكشاف مباشر على سوق الرهن العقاري الأمريكية بجانب الاستثمار في مؤسسات مالية تضررت من أزمة الرهن العقاري من خلال الانكشاف على بعض أدوات الإقراض، إلا أن الجديد في سياسات الاستثمار هو توجه المستثمرين إلى شركات أكثر قربا وعلاقة بأزمة الرهن العقاري الأمريكية. فقد أوردت "الاقتصادية" يوم الثلاثاء الفائت بتاريخ 18/12/2007 خبراً مفاده استثمار شركتي مبادلة التابعة لحكومة الإمارات ومجموعة العليان السعودية مبلغ مليار دولار في صورة ديون إضافية طويلة الأجل في شركة ريلايتد كوس، التي تعتبر من كبريات الشركات الأمريكية العاملة في العقار. إن الجديد في هذا الخبر هو اقتراب المستثمرين الخليجيين من مصدر الأزمة الحالية ممثلة في شركات التطوير العقاري من خلال الاستثمار الاستراتيجي وتخصيص مبالغ للمشاريع العقارية المستقبلية للشركة. كما يشير هذا الخبر إلى توقعات هؤلاء المستثمرين بأن تراجع أسعار الشركات العقارية قد وصل إلى مستويات قريبة من القاع وأن النِسب ومكررات الأرباح المستقبلية لأداء شركات القطاع العقاري تغري بالاستثمار.
وعلى الرغم من أن تراجع قيم القطاع العقاري الأمريكي عموماً تقترب من نحو 20 في المائة في الوقت الحالي، إلا أن بعض التقارير تشير إلى أن تكون فقاعة العقار الأمريكية استمرت طوال التسعينيات والسنوات الماضية من الألفية، لذا فإن التصحيح يتوقع أن يستمر لعدة سنوات وبنسبة تراجع تصل إلى نحو أكثر من 50 في المائة. وبالتأكيد فإن هذه التوقعات لا يمكن تطبيقها على القطاع العقاري عموماً ولا شركات التطوير العقاري بتعميم كبير. فأسعار العقارات وقيم الشركات العقارية العاملة في أواسط المدن والولايات النامية تختلف عن أسعار نظيراتها في الولايات التي تعاني من تباطؤ النمو الاقتصادي وتتميز بتذبذب مستويات الطلب على العقار. وعليه، فمن الصعب الحكم على الأداء المستقبلي لهذه الاستثمارات، خصوصاً أن الحكم عليها يجب أن يتم بعد البحث والتمحيص في الأداء المالي والخطط الاستراتيجية لهذه الشركات، إلا أن الثابت هو ارتفاع معدل المخاطرة عند الاستثمار في الشركات المرتبطة بقطاع الرهن العقاري الأمريكي في الوقت الحالي على المديين القصير والمتوسط.
وأخيراً، إن ارتفاع العوائد النفطية لدول الخليج واستفادة منشآت الأعمال منها أدى إلى تركز السيولة في منطقة الخليج في الوقت الذي تضغط فيه أزمة الرهن العقاري الأمريكي على سوق الائتمان العالمي، وتسبب شح السيولة للمستثمرين ومنشآت الأعمال في الأسواق العالمية. إذن، لتحقيق التوازن في الاقتصاد العالمي، تقوم قوى السوق بربط الفرص الاستثمارية المغرية التي تسمح بارتفاع العائد على السيولة المستثمرة لموفريها كقطاع الأعمال الخليجي مع قطاع الأعمال العالمي المحتاج إليها، حيث ترتفع تكلفة الحصول على السيولة في ظل الوضع العالمي لأزمة الائتمان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي