العالم والطلب على نفط "أوبك" .. ماذا بعد ارتفاع الأسعار؟

العالم والطلب على نفط "أوبك" .. ماذا بعد ارتفاع الأسعار؟

[email protected]

تشير الدراسات والدلائل إلى استمرار زيادة الطلب العالمي على الطاقة ولا يوجد ما يدل على الإطلاق على تراجع مكانة النفط كمصدر رئيس للطاقة. وفي تقرير لشركة بريتش بتروليوم، فإن استهلاك العالم للطاقة في السنوات العشر الأخيرة يزداد سنوياً بمعدل 2.4 في المائة. ففي عام 1996م وصل استهلاك العالم للطاقة ما يعادل 65 مليار برميل مكافئ من النفط، وارتفع الاستهلاك العالمي للطاقة ليصل عام 2006م إلى ما يعادل 80 مليار برميل مكافئ من النفط.
يعرض الجدول رقم (1) توزيع مصادر الطاقة، وهي إما طاقة أحفورية (غير متجددة) متمثلة في الثلاثي: النفط، الغاز، والفحم الحجري، وإما طاقة بديلة تتمثل في الطاقة النووية والشمسية والمائية وغيرها.
من الواضح أن الطاقة الأحفورية ستبقى المزود الرئيس للطاقة في العالم، حيث من المتوقع وحتى عام 2030م (بحسب مصادر "أوبك") أن 90 في المائة من طاقة العالم سيكون مصدرها أحفوري، مقابل نحو 10 في المائة لصالح الطاقات المتجددة أو البديلة. وكل هذا يدل على أن مستقبل الطاقة المتجددة (البديل المؤمل للنفط) غير واعد في المستقبل القريب، ولا يوجد قفزات علمية واكتشافات من شأنها تذليل استعمال هذا النوع من الطاقة وجعل استخدامها تجارياً وبتكلفة مقبولة.
وفي الجهة الأخرى تصدر النفط كل مصادر الطاقة منذ أربعة عقود، ومعظم الدراسات تدل على أن هذا التفوق سيستمر للـ 25 عاما المقبلة دون منافسة حقيقية من مصادر الطاقة الأخرى.
يعرض الجدول رقم (2) توقعات "أوبك" بشأن نمو الطلب العالمي على النفط إلى عام 2030م موزعة بحسب المناطق. سيستمر النمو العالمي في الطلب على النفط، وهذا النمو سيكون على الأرجح من آسيا، حيث من المتوقع أن ينمو طلب الصين ودول جنوب وجنوب شرق آسيا ما بين عامي 2005م و2030م من 14 إلى 34 مليون برميل يوميا، أي بنسبة 240 في المائة. أما الدول الصناعية الكبرى مثل دول منظمة التعاون التجاري والتنمية OECD، فلن يطرأ على استهلاكها للنفط أي نمو واضح، وسيبقى استهلاكها اليومي عند نحو 50 مليون برميل وحتى 2030م.
بلغ متوسط الطلب العالمي على النفط في النصف الأول من العام الجاري 85.05 مليون برميل يوميا، بزيادة مليون برميل تقريباً عن عام 2006م. وتوقع تقرير "أوبك" لشهر آب (أغسطس) الماضي أن يبلغ متوسط نمو الطلب على النفط في 2007م نحو 1.3 مليون برميل يومياً أو 1.5 في المائة عن عام 2006م الذي بلغ معدل استهلاك النفط فيه 84.05 مليون برميل يومياً.
تنتج "أوبك" نحو 40 في المائة من النفط العالمي، هذا يشمل سوائل الغازات الطبيعية NGL والنفط غير التقليدي مثل الرمال النفطية التى توجد بكثرة في بعض دول "أوبك" مثل فنزويلا.
وفى سياق الحفاظ على الأسعار، رفعت "أوبك" إمداداتها للسوق بنصف مليون برميل يومياً بعد اجتماعها الأخير المنعقد في فيينا الشهر الحالي، من أجل إضافة بعض الطمأنينة على الأسواق العالمية، لا سيما والشتاء على الأبواب، حيث يرتفع الطلب على زيت التدفئة. ويبدو أن هناك عدة آراء في "أوبك" نفسها، فبعض الأعضاء لا يرغبون في زيادة الإنتاج حتى لا تنخفض الأسعار في الربع الرابع من العام الجاري. أما البعض الآخر فيرى سياسة التهدئة وبعث الرسائل الإيجابية للأسواق وتملك زمام المبادرة من أجل السيطرة على الأسعار ومنعاً لاندلاع الأزمات.
النفط هو عصب الحياة بدون أدنى شك، وكلما كان الحصول عليه ميسرا وبأسعار معقولة كان الاستقرار العالمي والعكس صحيح. وللقارئ أن يرى أنه على الرغم من زيادة الإنتاج هذه فإن سعر البرميل قد تجاوز 82 دولارا، ويمكننا أن نتصور ماذا لو أن "أوبك" لم تزد الإنتاج؟ على الأرجح لارتفعت الأسعار عاليا، ولربما تخطت حاجز 90 دولارا للبرميل.
قد يُظن أنه كلما ارتفعت الأسعار زادت أرباح الدول المصدرة للنفط، نعم هذا صحيح على المدى القريب، ولكنه غير سليم على المدى البعيد، لأنه كلما تعذر الحصول على النفط بسبب ارتفاع الأسعار أو أي سبب آخر كان هذا حافزاً قوياً للبحث على البدائل. وهنالك من يعمل ليلاً ونهاراً لتطويع تقنيات الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية وخلايا الوقود الهيدروجينية والعمل الجاد على تطوير محركات تعمل بكفاءة على الوقود الحيوي. وأصبحت تقنيات توليد الكهرباء من الطاقة النووية أكثر أمناً من ذي قبل، إذ خبر العالم هذه التقنية وتمرّس على قواعد السلامة فيها. وكذلك أصبح تحويل الغاز الطبيعي إلى ديزل GTL والفحم الحجري CTL أيضا إلى سوائل نفطية مغريا اقتصادياً، هذا عدا عن صعود ربحية النفط غير التقليدي مثل الرمال النفطية في كل من كندا وفنزويلا، ما جعل استغلالها مجديا اقتصادياً.
للنفط أعداء كثر بسبب وجوده في مناطق معينة، وبسبب عدم ترابط المصالح مع الكثير من الفئات، وبسبب ما قد ينتج عن استخدماته من أضرار على البيئة، حيث إن البعض يعتبره مسؤولا عن ارتفاع درجة حرارة الأرض. كل هذا يدفع الدول المصدرة أن تعمل لحماية مصالحها وأولها أن يستمر اعتماد العالم على النفط كمصدر أول للطاقة لأطول مدة زمنية ممكنة، وذلك باعتماد سياسات معتدلة بما يخص بالكميات المعروضة حتى لا تخرج الأسعار عن السيطرة.

الأكثر قراءة