أوبك؟ .. أية أوبك؟
مع تصاعد سعر برميل النفط متجاوزا 80 دولارا وبقاءه في ذلك المستوى لبضعة أيام حتى الآن، يصبح التساؤل مشروعا حول جدوى خطوة منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" الأخيرة زيادة إمداداتها للسوق بنصف مليون برميل يوميا وتأثيرها العكسي. فبدلا من أن تبقى الأسعار في معدلها السابق تحت 80 دولارا للبرميل، يبدو وكأنها فتحت الباب أمام تصاعد مستمر، ولهذا يعود إلى الأذهان العنوان الذي وضعته صحيفة "وول سترتيت جورنال" على أحد مقالاتها: أوبك؟ أية .. أوبك؟
السؤال رغم لهجته الاستنكارية يعيد ذكرى أيام سابقات، إذ هو من ناحية يؤكد استعادة المنظمة هيمنتها على السوق من واقع أنها اللاعب الأكثر قدرة على التأثير بدلا من المنتجين الآخرين من خارجها. فالسؤال يحمل في جوهره نقطتين أساسيتين: أن "أوبك" ربما تكون مدفوعة بحساباتها الخاصة لإبقاء معدل الأسعار مرتفعا، والثاني أنها ليست قادرة على وقف زحف الأسعار المستمر إلى أعلى حتى وإن أرادت ذلك.
وهذا هو لبّ القضية التي تؤثر في السوق بصورة عامة من منتجين ومستهلكين، وتعيد في ذات الوقت أجواء السبعينيات بكل طروحاتها لمعرفة ما تغير وما لم يتغير وتلك الأجواء تعود مرة أخرى.
عودة "أوبك" للجلوس على مقعد القيادة تأتي هذه المرة باختلاف جوهري، وهو أن ارتفاع الأسعار الذي شهدته المنظمة في مرات سابقة، سواء عبر قرارات المنظمة أو بواقع متغيرات السوق، أسهم في نهاية المطاف في إضعاف قبضتها تلك على السوق، لأن الأسعار العالية تسهم في تحويل وضخ استثمارات في مناطق أخرى تنتج عنها إمدادات جديدة لا تتحكم فيها المنظمة، الأمر الذي يؤدي بعد فترة من الوقت إلى تراجع في السعر.
وهذه هو بالضبط ما نتج عن الصدمة النفطية الأولى، التي فتحت الطرق أمام بروز منتجين جدد، مثل بحر الشمال وألاسكا، أصبحوا يضخون في السوق أكثر مما تستطيع "أوبك" ضخه، إلى جانب عدم تقيدهم بمعدل سعري معين، الأمر الذي أدى إلى بروز الأسعار الحرة مقياسا لواقع السوق.
تطورات السوق الراهنة تشير إلى أن تلك التجربة لا تبدو في وارد التكرار، لأنه وببساطة لا تبدو هناك مجالات جديدة يمكن لرؤوس الأموال التحول إليها، ومن ثم يتشكل هذا الاتجاه واقعا في العرض ينعكس بدوره على الأسعار. وهذا ما يطرح تحديات من شاكلة: هل تستطيع أوبك تجنب تكرار أخطاء الماضي التي دفعت بسببها ثمنا باهظا تمثل في حرب أسعار وبقائها على الهامش في الأحداث التي تؤثر في السوق لفترة ليست بالقصيرة؟
تجربة عقد السبعينيات ومطلع الثمانينيات دفعت الكثير من المنتجين إلى الاعتقاد أن الأسعار أمامها طريق واحد للتحرك، وهو إلى أعلى فقط، الأمر الذي أدى إلى قرارات لم تكن كلها صائبة دفعا للأسعار في ذلك الاتجاه. وقتها لم تبرز خطورة تأثير المنتجين من خارج "أوبك". الوضع الحالي يبدو أصعب مع استنفاذ خيار المنتجين من خارج "أوبك" لطاقته بصورة عملية.
لكن رغم ذلك تبدو هناك أخطار تتمثل في أن استمرار سعر البرميل في الارتفاع سيصل إلى المرحلة التي يهدد فيها الوضع الاقتصادي، ولهذا تأثيره في الطلب، كما أن استمرار تصاعد السعر يجعل من خيارات الطاقة البديلة أكثر واقعية مما كان عليه من قبل. فهذه الخيارات تظل أقرب إلى التحقق وسعر البرميل في حدود 80 دولارا ومتجها إلى أعلى منها وسعر البرميل 50 أو 60 دولارا، شريطة بقائه في الجانب الأعلى لفترة طويلة.
أحد مفارقات فترة الصدمة النفطية الأولى ذلك التقسيم للمنتجين بين من يملكون احتياطيات ضخمة، وبالتالي من مصلحتهم إبقاء سعر البرميل منخفضا حتى يمكن للعالم الاستمرار في الاعتماد على النفط لفترة أطول، وبين من يملكون احتياطيات قليلة ولا يهمهم مدى ارتفاع السعر لأنه يحتاجون للبيع لفترة سنوات قليلة وبعدها لن يكونوا مشغولين بالأمر لأنهم لن يكونوا منتجين، وهذا أحد أسس نظرية تقسيم المنتجين إلى صقور وحمائم فيما يخص الأسعار.
الواقع الجديد يشير إلى أن هذا لا يقدم تفسيرا مقنعا، فباستثناء إندونيسيا لا يشير الوضع إلى أن بعض المنتجين من الأعضاء في "أوبك" على طريقهم لطرح عضوية المنظمة جانبا لأنه لم تعد لديهم احتياطيات كافية. فالتطور التقني والانفتاح على الشركات الأجنبية أسهما من ناحية في تطويل وضع الاحتياطيات الجزائرية مثلا، لكن تظل السوق محكومة في نهاية الأمر بالقدرة الإنتاجية والتصديرية للمنتجين.
ورغم أن الصناعة بطبيعة الوقت الطويل الذي تستغرقه تحتاج إلى النظر على المدى البعيد، إلا أن سرعة التغيرات تجعلها محكومة بواقع وضغوط السوق اليومية في أكثر الأحوال.