ضغوط السوق النفطية مرشحة للاستمرار .. والحل عند "أوبك"

ضغوط السوق النفطية مرشحة للاستمرار .. والحل عند "أوبك"

تتأرجح السوق النفطية ما بين متطلبات المدى القصير الذي يتطلب ضخ المزيد من الإمدادات أو القيام بعمليات تسعير لجعل النفط المطروح على المصافي أكثر جاذبية للشراء، والخوف من أن يؤدي توافر إمدادات إضافية إلى إحداث تخمة تؤدي إلى الضغط على الهيكل السعري ومن ثم انهياره تكرارا لتجارب مماثلة. كما تشمل الهموم على المدى المتوسط أيضا تقلص الإمدادات من خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك"، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى استمرار حالة من الشح بالنسبة للعرض، خاصة مع تصاعد الاستهلاك المحلي من قبل منتجي "أوبك" وبعض كبار المنتجين الآخرين خارجها، الأمر الذي يضغط على ما هو متاح للسوق بكل تبعاته السعرية.
المركز الدولي لدراسات الطاقة في لندن تعرض إلى قرار "أوبك" الأخير برفع إمداداتها إلى السوق بمعدل نصف مليون برميل يوميا ابتداء من الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، متسائلا عن إمكانيات تأثيره. وفي تقريره الدوري الصادر في السابع عشر من هذا الشهر، يبيّن التقرير أن طرح كميات إضافية من النفط لن يحدث الأثر المطلوب ما لم تراع عاملين: أن تكون نوعية الإمدادات مما تحتاج إليه السوق فعلا، وأن يكون السعر جاذبا بصورة كافية ومغرية تدفع المصافي للشراء.
ويشير التقرير إلى السعودية على أساس أنها الوحيدة المؤهلة لضخ المزيد من الإمدادات بسبب توافر طاقة إنتاجية فائضة لديها، مقترحا انتظار عملية التسعير التي تقوم بها شركة أرامكو مطلع الشهر المقبل استعدادا لمبيعات تشرين الثاني (نوفمبر) لمعرفة توجهات سياسة التصدير. فالتخفيضات التي جرت حتى الآن للنفوط المتوسطة والثقيلة لم تتم بصورة كافية لإغراء المصافي بالشراء، ولهذا برزت حالة الشح في السوق، فالمستهلكون بقيادة الولايات المتحدة وعبر الوكالة الدولية للطاقة يطالبون المنتجين بضخ المزيد من الإنتاج، بينما المنتجون يقولون إن هناك نفطا خاما متاحا بصورة كافية في السوق، وأن النقص لا يعود إلى أسباب هيكلية تتعلق بالعرض والطلب وإنما لأشياء أخرى على رأسها المتاعب التي تعانيها المصافي ويجعلها غير قادرة على توفير كميات المنتجات المكررة التي تحتاج إليها السوق فعلا. ويتطلب هذا كما يرى التقرير إما توفير كميات إضافية من النفوط الخفيفة تلبية لحاجة فعلية قائمة، الأمر الذي لا يبدو متاحا بصورة كبيرة، وإما القيام بحسومات أكبر على النفوط المتوسطة والثقيلة.
تقرير المركز يرى أن حجم التخفيضات في النفوط المتوسطة والثقيلة التي تقدم حتى الآن لا يبدو كافيا لجعلها أكثر إغراء للمشترين ليتجهوا إليها.
وللعلم، فإن الصيغة التسعيرية التي أعلنتها شركة أرامكو مطلع هذا الشهر للبيع بموجبها خلال الشهر المقبل، حافظت على وضعها بالنسبة للنفوط الخفيفة، بينما تبنت اتجاها تقليصيا إضافيا بالنسبة للنفوط المتوسط والثقيلة. فبالنسبة للسوق الأمريكية التي تعتمد خام ويست تكساس مقياسا لها، فإن برميل النفط من نوع العربي المتوسط تم تسعيره على أساس فروقات تصل إلى 7.65 دولار للبرميل وعشرة دولارات فروقات لبرميل النفط العربي الثقيل. أما بالنسبة للسوق الأوروبية التي تعتمد خام برنت المتداول في البورصة مرجعا، فإن الفروقات بالنسبة للعربي المتوسط بلغت 4.10 دولار في البرميل و5.55 دولار للبرميل من نوع خام العربي الثقيل. أما بالنسبة للسوق الآسيوية التي تعتمد خامي دبي وعمان مقياسا مرجعيا لها، فإن "أرامكو" قامت بتسعير "العربي المتوسط" ناقص 1.05 دولار للبرميل وكذلك 3.35 دولار فروقات للبرميل من نوع العربي الثقيل.
ويشير التقرير إلى عامل آخر يتمثل في وضع المخزونات التي يرى أنها تراجعت بنحو نصف مليون برميل يوميا، وهو وضع له انعكاساته، إذ إن آخر مرة تراجع فيها حجم المخزون بهذا المعدل والنصف الشمالي من الكرة الأرضية يتهيأ إلى فصل الشتاء كانت عام 2004. فالطلب على النفط موسمي تلعب فيه أحوال الطقس دورا، إذ يظل يتأرجح بنحو مليون برميل تزيد أو تنقص ارتفاعا أو انخفاضا حسب وضع السوق، وهذه هي أهمية الربع الثالث من كل عام، حيث يتم بناء المخزون. لكن قرار "أوبك" عدم ضخ المزيد من النفط خلال هذه الفترة دفع الدول المستهلكة إلى السحب من المخزون، وهو ما أوصله إلى هذه الحالة، التي أصبحت تنعكس أسبوعيا على وضع سعر البرميل كلما أعلن عن الأرقام الخاصة بالمخزونات الأمريكية. هذا الوضع أدى إلى أن تصبح "أوبك" هي الجهة الوحيدة القادرة على ضخ المزيد من الإمدادات ولعب الدور الذي تقوم به المخزونات عادة، لكن ما بين ضخ إمدادات ووصولها إلى أيدي المستهلكين بعد تكريرها فإن فترة لا تقل عن ستة أو سبعة أسابيع لا بد من تصرمها بداية، الأمر الذي يعني استمرار الوضع الراهن في المستقبل المنظور.
وهناك أيضا الضعف الذي بدأ يبرز أكبر وأكبر فيما يتعلق بالإمدادات من خارج "أوبك"، بل ويضيف البعض أن زيادة الاستهلاك من قبل المنتجين الرئيسيين تمثل هما إضافيا. فمعدل الزيادة في الإمدادات من خارج "أوبك" سيمثل تحديا حقيقيا أمام الصناعة خاصة عند مقارنة هذا الوضع بما أدت إليه التجارب السابقة التي صاحبت ارتفاع الأسعار.
وكان ريكس تيللرسون المدير التنفيذي لشركة إكسون موبيل قد تناول في محاضرة له في لندن أخيرا، وضع الإمدادات من خارج "أوبك" واصفا إياها بأنها تمثل تحديا جديا. وخلص بعض المحللين إلى أنه في غضون عامين أو ثلاثة أو بحلول العام 2010 على أكثر تقدير فإن معدل النمو في الإمدادات من خارج "أوبك" سيتوقف تقريبا، الأمر الذي سيحول العبء إلى منتجي "أوبك".
لكن كبار المنتجين، سواء من قبل أولئك الأعضاء في "أوبك" أو خارجها مثل المكسيك وروسيا، أصبحت معدلات استهلاكهم تتزايد، ووصل الأمر بالباحث ديفيد استراخان إلى التركيز على هذا الجانب والإشارة إلى أنه مقابل كل برميل جديد يتم إنتاجه، فإن ثلاثة براميل يجري استهلاكها، وأن الإنتاج النفطي يتراجع في 60 دولة حول العالم.
وتشير إحصاءات أخرى إلى أن أكبر خمسة مصدرين للنفط يشهدون تراجعا بمعدل 5 في المائة من إنتاجهم، وأنه منذ العام 2005 شهد هؤلاء تراجعا في صافي صادراتهم بنحو 3.3 في المائة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تراجع في حجم صادرات "أوبك"، إضافة إلى روسيا والمكسيك بنحو 2.5 مليون برميل يوميا عام 2010، كما حذر تقرير للبنك الإمبريالي الكندي أخيرا.
قبل عامين طرح وزير الطاقة الأمريكي سام بودمان سؤالا في صفحة واحدة حول ما ينبغي عمله حول مستقبل الطاقة وإمدادات النفط والغاز. الإجابة جاءت من لي رايموند الرئيس السابق لشركة إكسون، الذي استغرق عامين من البحث والتقصي ونحو 350 مشاركا من أركان الصناعة، وفي شكل تقرير يبلغ عدد صفحاته 476 وخلاصته أنه ليس هناك حلول سريعة وحاسمة للتعامل مع قضايا الطاقة المتشابكة، وأن مزيجا من سياسات خاصة بخفض الاستهلاك وتحسن فاعلية الاستخدام وغير ذلك تعتمد النفس الطويل تبدو الخيار الوحيد المتاح.

الأكثر قراءة