خفض سعر الفائدة الأمريكية يحفز الأسواق العالمية
في خبر فاق توقعات المحللين قام الاحتياطي الفيدرالي خلال اجتماع لجنة سياسة السوق المفتوح FOMC يوم الثلاثاء الماضي بتخفيض سعر الفائدة الأمريكية بمعدل نصف نقطة مئوية ليبلغ معدل الفائدة الأمريكية 4.75 مئوية وذلك في أول خفض لسعر الفائدة منذ عام 2003. وقد كانت توقعات المحللين تدور حول خفض بمعدل ربع نقطة مئوية ، فلماذا عمد الاحتياطي الفيدرالي إلى هذا الخفض الذي يعد أكبر بكثير مما كان متوقعاً. من المعتاد من خلال الأزمات السابقة أن يتبع أول خفض لسعر الفائدة سلسلة من عمليات التخفيض بمعدلات منخفضة وذلك من أجل دعم الأسواق كلما احتاج الأمر إلى ذلك. ولكن يبدو أن لجنة سياسات السوق المفتوح برئاسة بيرنانكي ترغب في خفض قوي يدعم السوق ولمرة واحدة بدلاً من تخفيض بواقع ربع نقطة مئوية ولمرات متكررة. حيث لا يزال الاحتياطي يرغب في المحافظة على معدلات فائدة مرتفعة من أجل مكافحة التضخم في حالة الحاجة إلى ذلك. وقد قام الاحتياطي الفيدرالي بخطوة أخرى تتعلق بخفض سعر الخصم الذي تقترض به البنوك من الاحتياطي الفيدرالي إلى معدل 5.25 في المائة وذلك بهدف ضخ المزيد من السيولة في أسواق الائتمان وتخفيض مخاطره والتي كانت سبباً رئيسياً وراء الاضطراب الذي حدث أخيراً. وقد كانت استجابة الأسواق المالية لهذا الخبر قوية جداً حيث ارتفع داو جونز على إثر ذلك بواقع 335.97 نقطة فوراً بعد إعلان الخبر أي بمعدل 2.5 في المائة، وهو معدل الارتفاع الأعلى للداو جونز منذ عام 2003. ولم يعط الاحتياطي أي تلميحات للخطوة التالية التي سيتخذها وذلك على الرغم من تأكيده استمرار مخاطر التضخم، مما يلمح إلى إمكانية اضطراره إلى رفع سعر الفائدة عند الحاجة إلى ذلك. ويقع الاحتياطي الفيدرالي بين فكي كماشة التضخم الذي يركز عليه رئيسه بيرنانكي بشكل كبير وبين الركود الاقتصادي والذي بدأت بوادره تظهر على إثر أزمة الائتمان واضطراب الأسواق المالية، مما يجعل من قرار الخفض الذي اتخذ يوم الثلاثاء الماضي قراراً صعباً وحرجاً، حيث إنه قد يؤدي إلى زيادة التضخم على إثر انتعاش الأسواق المالية والاقتصاد بشكل عام وذلك نتيجة لزيادة السيولة وانخفاض تكاليف الاقتراض والمخاطر في الوقت نفسه. ولكن يبدو أن الاحتياطي لم يجد مفراً من صرف النظر ولو لفترة بسيطة عن التضخم والتركيز على المشكلة الأكبر التي يواجهها الاقتصاد الأمريكي والعالمي على حد سواء والمتعلقة بالركود الاقتصادي الوشيك. ولكن يبقى السؤال عن ما إذا كان هذا الخفض سوف يؤدي إلى تراجع مخاطر هذا الركود أم لا؟
آلان جرينسبان الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي يرى أن مخاطر الركود ما زالت قائمة على الرغم من تخفيض سعر الفائدة بواقع نصف نقطة مئوية. إضافة إلى ذلك فإنه – أي جرينسبان – يرى أن احتمالات اتجاه الاقتصاد إلى الركود تبلغ 30 في المائة. والسبب الذي يبرر جرينسبان رؤيته تلك هو الانخفاض في أسعار المنازل نتيجة لأزمة الرهن العقاري والتي يرى أنها يمكن أن تؤثر في القدرة الاستهلاكية للأمريكيين. وبحكم أن الاستهلاك يمثل ثلثي الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي فإن أي تأثير في القدرة الاستهلاكية للأمريكيين سوف يترك أثراً سلبياً بالغاً في معدلات نمو الناتج المحلي ومن ثم زيادة احتمالات الركود الاقتصادي. وهو – أي جرينسبان – يبدو أقل تفاؤلاً من وزير الخزانة هنري بولسون ومن خلفه بيرنانكي اللذان مثلا أمام الكونجرس يوم الأربعاء الماضي للاستماع إلى شهاديتهما واللذين أبديا فيها ثقة بمتانة الاقتصاد وفي أن خفض سعر الفائدة أدى إلى استقرار الأسواق المالية مما جعله يؤكد أن الاقتصاد متجه نحو نمو وبشكل معتدل خلال الفترة المقبلة. من ناحية أخرى أكد بيرنانكي أنه يعمل على وضع تدابير للحد من عودة مشكلة الرهن العقاري مرة أخرى بوضع تدابير لحماية المستهلكين، ولكن ممن يحمي هؤلاء المستهلكين؟ يبدو أنه يقصد حمايتهم من المقرضين كالبنوك وشركات الرهن العقاري والتي أشرت في مقالة البارحة إلى مدى خطورة الممارسات اللا أخلاقية التي يمارسونها باستهداف فئات الدخل المتدني بإعادة هندسة القروض الإسكانية بطريقة توحي للمشتري بقدرته على الوفاء بالتزامات القرض.
وفي أوروبا استجابت الأسواق المالية جميعها بشكل إيجابي لخبر خفض الفائدة الأمريكية ولكن هل ستحذو أوروبا حذو الولايات المتحدة في ذلك؟ على الأقل هذا ما ينادي به الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي والذي يشن حملة سياسية لدفع البنك المركزي الأوروبي لخفض سعر الفائدة، الأمر الذي جعل المستشارة الألمانية ميركل تؤكد معارضتها لأي محاولات لوضع ضغوط تحد من استقلالية البنك المركزي الأوروبي. ويخشى ساركوزي من أن عدم تخفيض سعر الفائدة واستمرار اليورو بهذه القوة سوف يؤدي إلى التأثير في الصادرات الأوروبية، لكن أحد أعضاء البنك المركزي الأوروبي أشار إلى أهمية عدم تدخل السلطة السياسية في عمل السلطة النقدية وعدم القيام بتصريحات من شأنها أن تؤدي إلى انقسام سياسي حول عمل البنك المركزي الأوروبي والذي يمثل السلطة النقدية الموحدة للاتحاد الأوروبي. إضافة إلى ذلك يؤكد أعضاء البنك المركزي الأوروبي أن اليورو القوي هو وسيلة جيدة لمكافحة التضخم الذي يهدد النمو في منطقة اليورو. وكان النمو في قطاع الصناعة والخدمات في منطقة اليورو قد نما بأقل معدلاته خلال سنتين بعد أن أثرت أزمة الائتمان العالمية في أداء البنوك. مما يعني أن اليورو القوي والنمو المتراجع سوف يؤديان في النهاية إلى تهدئة معدل التضخم في المنطقة. وكان اليورو قد ارتفع على إثر إعلان تخفيض الفائدة الأمريكية إلى معدل قياسي جديد حيث تجاوز لأول مرة معدل 1.4 دولار لكل يورو.
وفي اليابان انخفض معدل الثقة في قطاع الأعمال وذلك على إثر قلق بشأن أزمة الرهن العقاري. حيث يخشى المستثمرون اليابانيون أن تؤثر هذه الأزمة في حجم الصادرات اليابانية إلى الولايات المتحدة والتي تعد الوجهة الرئيسية للصادرات اليابانية. وكان مؤشر البنك المركزي الياباني لمشاعر المصنعين (تانكن) قد انخفض إلى معدل 21 نقطة خلال أيلول (سبتمبر) في حين بلغ 23 نقطة في تموز (يونيو) الماضي. وكان سعر صرف الين قد ارتفع في مقابل الدولار بمعدل 6 في المائة وذلك على إثر إعلان خفض سعر الفائدة الأمريكية مما يزيد أيضاً القلق بشأن تراجع الصادرات اليابانية للولايات المتحدة.