التدرج في طلب رأس المال!!!
عند الإعلان عن تأسيس شركات جديدة، يلفت نظرنا أن رساميل العديد من هذه الشركات تصل إلى مبالغ ضخمة (مثل: إعمار المدينة الاقتصادية ومصرف الإنماء وغيرها من الشركات الكبرى)، لكن يحق لنا هنا أن نتساءل: هل ستستخدم هذه الشركات رساميلها بشكل فوري في نشاطاتها الرئيسية؟ أم أنها ستجد نفسها أمام سيولة كبيرة تزيد عن حاجتها، وبالتالي تضطر للاستثمار في مجالات بعيدة عن نشاطاتها الرئيسية؟
بالتأكيد أن بعض هذه الشركات لن تحتاج إلى كامل قيمة رأس المال عند تأسيسها، ما يعني أنه من المتوقع أن تلجأ هذه الشركات إلى استثمار السيولة الفائضة عن حاجتها في مجالات بعيدة عن نشاطاتها الرئيسية مثل: الودائع المصرفية، أو المرابحات الإسلامية، أو النشاط العقاري، أو أسهم الملكية الخاصة أو حتى في أسهم الملكية العامة. هذا يعني أن السوق المالية ستواجه مشكلة ارتفاع مستوى المخاطرة بسبب اعتماد هذه الشركات على أرباح غير متكررة ناتجة بشكل رئيسي من إعادة تقييم الأصول (مثل الودائع البنكية، المرابحات الإسلامية، السندات، صكوك إسلامية، الأسهم، أو العقارات).
ما يؤكد ذلك أنه عند النظر إلى القوائم المالية لشركة إعمار المدينة الاقتصادية في الربع الثالث من هذا العام (أي بعد مرور أكثر من عام على تأسيس الشركة)، يتبين لنا بوضوح أن الشركة لم تحتج عند تأسيسها إلى كامل رأس المال البالغ 8.5 مليار ريال ما دفعها الآن لاستثمار سيولة فائضة بقيمة تزيد على 4.1 مليار ريال (تمثل 48 في المائة من رأس المال) على شكل ودائع بنكية، بينما كان من الأفضل للشركة طلب رأس المال على شكل دفعات تتوافق مع احتياجاتها من التدفقات النقدية الداخلة مستقبلاً بما يؤدي إلى استخدام رأس المال الاستخدام الأمثل.
بالنظر إلى تاريخ السوق المالية السعودية، نجد أن الآلية المعمول بها عند تأسيس معظم الشركات المدرجة حاليا في السوق اتبعت طريقة تسديد رأس المال على شكل أقساط تتماشى مع احتياجات هذه الشركات للسيولة النقدية خلال عمرها الزمني دون معوقات أو مخاطر جوهرية على أعمالها، حيث بدأت هذه الشركات نشاطاتها برأسمال مدفوع يقل عن رأس المال المصرح به ضمن جدول زمني لطلب رأس المال يختلف من شركة إلى شركة بحسب الظروف إلى أن تساوي رأس المال المدفوع مع رأس المال المصرح به.
وتبقى التساؤلات المهمة: ما الوضع الذي سيكون عليه مصرف الإنماء مستقبلاً؟ وهل سيحتاج هذا المصرف العملاق إلى 15 مليار ريال من اليوم الأول؟ أم أننا سنرى سيولة فائضة عن الحاجة من اليوم الأول؟