تقرير بريطاني: الصناديق المشتركة الإسلامية في الشرق الأوسط لا تزال متواضعة

 تقرير بريطاني: الصناديق المشتركة الإسلامية في الشرق الأوسط لا تزال متواضعة

أكد تقرير بريطاني أن الصناديق المشتركة الإسلامية في الشرق الأوسط لا تزال متواضعة في أعدادها وفي الأموال الخاضعة لإدارتها وهي لم تزدهر حتى الآن. وأشار الاستطلاع الذي أجرته "إيكونومست إنتلجنس يونيت" Economist Intelligence Unit إلى أن أحد الأسباب التي تقف وراء تباطؤ خطى التطور في قطاع المال الإسلامي هو عدم توافر مديري الموجودات العالميين والموظفين المحليين الذين يتمتعون بالمهارات اللازمة والخبرة في مجال الهيكلة.
وتتوقع الدراسة, التي شملت 180 مديراً تنفيذياً من شركات الخدمات المالية الغربية, أن تشهد منتجات التمويل الإسلامي زيادة كبيرة في الطلب عليها في السنوات الثلاث المقبلة بنسبة 59 في المائة. وبحسب سلسلة المقابلات المتعمقة التي أجريت مع ممثلي الغربية فإن هناك عاملا آخر من شأنه أن يحفز السوق، ألا وهو توحيد العقود الخاصة بالمنتجات الإسلامية كعقود مرابحة بيع السلع وتوحيد قوالب الصناديق المشتركة, الأمر الذي من شأنه أن يساعد على إيجاد السيولة في السوق ويقلل من تكاليف العمليات التجارية.

"الاقتصادية" حصلت على نسخة من التقرير الذي يلقي نظرة على بيئة العمل الخاصة بإدارة الموجودات في منطقة الشرق الأوسط، ويبحث في الثقافة الاستثمارية التي تتطور في المنطقة, فإلى نص هذا التقرير:

تتقدم إدارة الموجودات في بلدان مجلس التعاون الخليجي الستة بثبات إلى الأمام. وقد أسهمت عوامل عديدة من قبيل وفرة السيولة التي نتجت عن ارتفاع أسعار النفط والغاز، الوعي المتنامي بين المستثمرين، ترحيل الموجودات من الولايات المتحدة في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، وتطوير نظام التمويل الإسلامي، أسهمت كلها في إيجاد بيئة مزدهرة للبنوك المحلية والدولية على حد سواء. وتبعاً لذلك، يقوم العديد من الجهات بتعزيز عملياتها وتأسيس وجود قوي لها على الأرض.

وعلى العموم، يظل الحصول على موظفين محليين لديهم المهارات المطلوبة في مجال إدارة الموجودات عائقاً كبيراً أمام التطور في المنطقة. وينطبق هذا على التمويل بشقيه: التقليدي والإسلامي. وفي الدراسة التي أجريناها، ذكر 45 في المائة من الذين استطلعت آراؤهم أن توافر وتكلفة المهارات الإدارية من المعيقات الرئيسية لتأسيس الأعمال في هذا المجال في الشرق الأوسط.
ومن أجل الحصول على المهارات المناسبة، يلقي العديد من المؤسسات بالشبكة بكل سعتها: فالبعض منها يستقدم الخبرات من آسيا، خاصة من الهند, باكستان، سريلانكا، سنغافورة وماليزيا، والبعض الآخر يعيد توزيع الموظفين العاملين لديها ويقوم بإرسالها إلى المنطقة من أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة. ولكن هذه الطريقة لها مشكلاتها: حيث ذكر 53 في المائة من الذين استطلعت آراؤهم أن صعوبة إعادة توزيع الموظفين وإرسالهم إلى المنطقة هي أحد العوائق التي تحول بينهم وبين الاستثمار.

دور التمويل الإسلامي
شهدت العقود القليلة الماضية تطوراً كبيراً في عالم التمويل الإسلامي، خاصة في مجالات كالرهن الإسلامي وأدوات الدين الإسلامية كالصكوك، وعلى صعيد التمويل كالسلع والمشاريع. إلا أن جميع الذين تمت مقابلتهم اتفقوا على أن إدارة الموجودات والصناديق لم تزدهر على النحو نفسه. فحتى تاريخه، يقع قطاع الاستثمار الإسلامي والصناديق المشتركة الإسلامية تحت هيمنة الصناديق التي تعمل وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية التي تقدمها البنوك التي مازالت متواضعة في أعدادها وفي الأموال الخاضعة لإدارتها. وعلى هذا الصعيد، يقول آدم إبراهيم، الرئيس التنفيذي لشركة الواحة لإدارة الموجودات "إننا بالكاد لمسنا طرف جبل الأسهم الجليدي".
ولكن هناك اتفاقاً واسع النطاق على أن مزيداً من المنتجات التي تتفق وأحكام الشريعة الإسلامية ستجد طريقها إلى السوق – سواء أكانت من قطاع التجزئة أو المؤسسات أو كانت منتجات غريبة غير مألوفة. وينسجم هذا مع وجهة نظر الذين شملتهم الدراسة الذين تتوقع نسبة 59 في المائة منهم أن تشهد منتجات التمويل الإسلامي زيادة كبيرة في الطلب عليها في السنوات الثلاث المقبلة. فضلاً عن ذلك، ذكرت الجهات التي تم استطلاع آرائها أنها في سبيلها إلى توفير حقائب أوسع من المنتجات الإسلامية: إذ ذكرت نسبة 27 في المائة من تلك الجهات أن منتجاتها تتفق حالياً مع أحكام الشريعة الإسلامية، ولكن هذه النسبة سترتفع إلى 40 في المائة في غضون ثلاث سنوات.
إن أحد الأسباب التي تقف وراء تباطؤ خطى التطور في قطاع المال الإسلامي هو عدم توافر مديري الموجودات العالميين الذين يتمتعون بالمهارات اللازمة والخبرة في مجال الهيكلة. ويعتقد جيرت بوسويت (من بنك دوتشيه) أن قطاع التمويل الإسلامي مازال ينتظر دخول لاعبين كبار من أمثال فايداليتي، وأبردين لإدارة الموجودات وبلاك روك – وهو أمر سيحدث مع الوقت بالتأكيد. ويقول بوسويت: "في النهاية يتعلق هذا الأمر بالكتلة الحرجة التي تكفي لانطلاق اللاعبين الكبار. فلكي يؤسسوا صندوقاً جديداً، فإنهم في حاجة إلى نحو 200 مليون دولار كاستثمار أولي, فإذا لم يكونوا على قناعة أن باستطاعتهم جمع هذا المبلغ فلن يأتوا إلى السوق."
ويعتمد المنحى الذي ستتخذه إدارة الموجودات الإسلامية أيضاً على السوق وعلى مجموعة المستثمرين. إذ يقول بوسويت:" إن المملكة العربية السعودية أكثر تمسكاً بالصناديق التي تعمل وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية. ولكن إذا أتيت إلى الإمارات، قطر، عمان والبحرين، فإن المستثمرين لا يتصلبون إزاء تفضيلهم هذه الصناديق وللمنتجات الاستثمارية التي تتفق وأحكام الشريعة الإسلامية. وهناك عامل آخر ربما كان من شأنه أن يحفز السوق، ألا وهو توحيد العقود الخاصة بالمنتجات الإسلامية كعقود مرابحة بيع السلع (وهي أداة تقوم على إضافة هامش على التكلفة) وتوحيد قوالب الصناديق المشتركة. إن من شأن ذلك أن يساعد على إيجاد السيولة في السوق ويقلل من تكاليف العمليات التجارية.

الثقافة الاستثمارية
أنهت العملية التصحيحية التي شهدتها السوق عام 2006 التي مسحت قرابة ثلثي قيمة أسواق الأسهم في بعض بلدان مجلس التعاون الخليجي فترة من المضاربة والحماس, حذر الكثيرون من أنها تحمل جميع بهارج الفقاعة. ولكن لدى سؤالهم عما إذا كان المستثمرون قد أخذوا العبر من أحداث العام الماضي المؤلمة، أجمع الذين شملتهم الدراسة على أن ذلك لم يحدث، بينما ذكر 24 في المائة منهم فقط على أن ذلك حدث. وهذه من النتائج التي اتفق حولها الكثير ممن قابلناهم. يقول بوسويت:" قطاع التجزئة لن يتعلم أبداً لأنه مدفوع دائماً بالجشع والخوف. وهذا أمر لا فرق فيه بين أوروبا أو آسيا أو أي مكان آخر".
إن ما كان ملحوظاً فيما يتعلق بالعملية التصحيحية في بلدان مجلس التعاون الخليجي هو أن الجزء الأكبر من التداول كان يقوم به المستثمرون الأفراد. فتحت إغراء أسعار الأسهم التي شهدت ارتفاعاً كبيراً، تقاطرت أعداد هائلة من هؤلاء المستثمرين (وجلهم من عديمي الخبرة) إلى السوق وتداولوا المعلومات في غرف الثرثرة على الإنترنت. ولكن حين تراجعت السوق تدافعت نسبة كبيرة من أولئك المستثمرين للخروج منها في وقت واحد، ما زاد من الضغط باتجاه هبوط الأسعار. ولو كانت هناك نسبة أكبر من المؤسسات الاستثمارية، يتوقع جيرت بوسويت، المدير التنفيذي في دويتشه بانك في دبي أن تكون التقييمات المبالغ فيها أقل احتمالاً. وهو يشرح ذلك بقوله:" في الأسواق المتقدمة يوجد عدد أكبر من المؤسسات الاستثمارية، وهذه تميل إلى العقلانية أكثر من المستثمرين الأفراد".

ويؤكد الدكتور ملهم علواني، المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في بنك رويال الاسكتلندي، أن التحدي الأكبر هو الواقعية في التقييم. إذ يمكن أن تحدث طفرة غير معقولة في الأسعار في أي مكان، وحتى الأسواق المتقدمة والناضجة يمكن أن تسقط ضحية خطأ عقلية القطيع. ولهذا السبب فإنه يود أن يلمس أن هناك توعية أفضل للعملاء فيما يتعلق بالاستثمار في أسواق الأسهم، الأمر الذي يعتقد أنه سيجعل السوق أقل تقلباً في المدى الطويل.
ومع عودة نسبة السعر إلى العوائد إلى المستويات الاعتيادية، فإن أسعار الكثير من الأسهم في الخليج الآن تبدو أكثر واقعية. ولكن حتى تاريخه، يقول الدكتور علواني، فإن الكثير من المستثمرين ليسوا مستعدين للعودة إلى السوق. ويشرح ذلك قائلا ً"إننا نرى اليوم نوعا آخر من المبالغة. إننا نرى أسهما بالغة الرخص ولكن لا يوجد من يشتريها."
ومن ناحية أخرى، يشعر عمران سَتَّار من بلاك روك بخيبة الأمل لعدم وجود أي استثمار خليجي في الأسهم البريطانية أو الأوروبية". هناك أموال خليجية كثيرة تذهب إلى الموجودات العقارية في بلدان مجلس التعاون الخليجي، المملكة المتحدة وألمانيا. ولكن الناحية التي لم تستفد كثيراً هي الأسهم البريطانية، أو الأوروبية، أو في الحقيقة الأسهم العالمية"، كما يقول.
وفي اعتقاده أن أحد أسباب ذلك هو أن المستثمرين الخليجيين لا يحبون المخاطرة، ولذلك فإن الأسهم لا تغري ذلك النوع من المستثمرين.
وإضافة إلى مسائل المبالغة في التسعير والتقلب، هناك اعتبارات هيكلية أكثر أهمية، وفقاً لسوراف كومار، مدير قسم التسويق في صندوق برودينشال لإدارة الموجودات. فهو يقول:" إذا نظرت إلى أسواق بلدان مجلس التعاون الخليجي ككل، لوجدت أنها مدفوعة بالعواطف وتفتقر إلى العمق. ومن المحتمل ألا يجري تداول على نصف الأسهم في بعض الأيام. وحتى لو كانت التقييمات غير جيدة، فإن أسواق المال هناك ليست على قدر كاف من التطور لتتوقع استثمارات كبيرة فيها".
ولكنه يعتقد أن المستثمرين الخليجيين سيكونون في حاجة مع مرور الوقت إلى إعادة النظر في استراتيجياتهم. وهو يقول في هذا الصدد: "هناك نظرة تقول إن الاستثمار العقاري في أوروبا الغربية قليل الخطورة، ولكنني رأيت عقارات تدر في الحقيقة عوائد سلبية. وإن عوائد الاستثمار في الأسهم البريطانية والأوروبية والعالمية جذابة جداً، ولكن يلزمك الاستعداد والإرادة للمخاطرة. وفي الوقت الحالي لا أرى ذلك يحدث في بلدان مجلس التعاون الخليجي.

الأكثر قراءة