رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


فوضى قيادة السيارات .. خلل أخلاقي أم استهتار؟

أشد ما يزعجني هو النفاق الاجتماعي الذي نعيشه في الوقت الذي نعتقد أننا أفضل البشر وفي دولة الإنسانية. والمشهد الذي يزعجني أكثر هو رؤية مجموعة من المنافقين عند أبواب الخروج من قاعة مناسبات أو طعام عشاء وهم يلزمون ويحلفون على بعضهم ويؤثرون على أنفسهم هذا الكرم العظيم بالسماح للآخرين بالخروج قبلهم. ثم تجد المنافقين أنفسهم بعد أمتار من الموقع على الطريق أو عند الإشارة وهم متلطمون أو كأنهم لم يروك أو يتجاهلوك فيسابقونك ويتخطونك بل قد يزاحمونك للوقوف أمامك عند الإشارة حتى لو اضطرهم الأمر إلى أن يجعلوك تصطدم بالرصيف والمارة أو بالسيارات المجاورة. أن أنواع النفاق الاجتماعي ملحوظة في الكثير من تصرفاتنا الاجتماعية مع زوجاتنا وأبنائنا والخدم، ولكن قد تكون تصرفاتنا وسلوكياتنا في قيادة السيارات هي أكبر دليل على تفشي هذا المرض فينا. وهي دليل واضح على أشد أنواع النفاق في أخلاقياتنا. وهذا المرض تكشفه الطريقة التي نقود بها سياراتنا بتهور وطيشان ونتعامل مع سائقي السيارات الآخرين التي فيها كبار السن أو الأب مع عائلته أو المريض، فتجدنا لا نحترمهم بل قد نكرههم ونعتبرهم أعداء لنا في الطريق. فياليتنا لا نلزم على الناس وننافقهم أكثر من اللازم في وجوههم بينما خلفهم ومن وراء ظهورهم نحن شياطين ووحوش نقطع بعضنا. ومتى سنخفف من هذا المرض والنفاق والتطرف في الاتجاهين لنصبح أمة وسطاَ؟
لقد أصبحت شوارعنا وأحياؤنا السكنية مواقع حربية وكل يعتقد أنه يملك حق الطريق وحق المرور قبل الآخرين وكأنه اشترى الطريق وليس للآخرين أي حق فيها. وكل تراه مستعجلا وطايرا سواء لسبب مهم أو لغير سبب، فالموضة هي السرعة وتخطي الآخرين وعدم الوقوف بنظام في صف السيارات عند الإشارة، بل إن (المتهورين) والمريضين نفسياَ ومدمني المخدرات أو من لديهم مركب نقص تجدهم يتجاوزون الجميع ليأتوا من الخلف ويصطفوا أمامهم بعد خط المشاة عند الإشارة. وكأنهم يقولون للجميع نحن أهم منكم أو نحن أسيادكم!
صحيح أن هذه الظاهرة وفوضوية القيادة قد تكونان موجودتين في بعض الدول الأوروبية ولكن على الأقل هؤلاء المسرعين فيها تجدهم أشخاصا منتجين ومتجهين إلى أعمالهم أو مصانعهم. ويهمهم الوقت في الإنتاجية لمصلحة الوطن. أمّا نحن فنسرع ولكننا لا ننتج بل نستورد منهم لنتسكع في الاستراحات ولعب الورق واستنزاف محصول الرز والخرفان.
قيادة السيارات لدينا أصبحت دليلا على مدى حبنا بعضنا بعضا ومدى تمسكنا بديننا "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". فنحن في حرب ومعركة ينتصر فيها عادة الجهلة والمتهورون. وكأننا أعداء. ونتجادل بالأبواق لنزعج الآخرين والذين ليس لهم علاقة بالموضوع. حتى السلام أو السب والشتيمة أصبحت بالأبواق.
أصبح المواطن يخاف أن يقف عند إشارة المرور الضوئية وهي حمراء، فقد يأتي من خلفه من هم مسرعون وقد لا يتوقفون للإشارة وعندها يحدث لك ما لا تحمد عقباه. وحتى إذا توقفت فإنك ستسمع أصوات الأبواق قبل لحظات من فتح الإشارة الخضراء مع التكبيس بالأنوار العالية. وكأنه يقول لك تحرك يا.....! ودون احترام حتى لممرات أو عبور المشاة.
والأسوأ هو ما يقوم به الكثيرون من متابعة سيارات الإسعاف أو المطافئ عندما يسمعون صوت صفارتها. وهي مضايقات يعاقب عليها القانون دولياَ. فهم قد يؤخرون وصول المريض في وقته أو المطافئ في وقتها مما يعرض الآخرين للموت. فأين القانون؟ وهل سأثق بقانون يسمح لهؤلاء غداَ إذا أصابتني سكتة - لا قدر الله - أن أطلب سيارة إسعاف؟ أين الحق العام؟ ومن يعاقب هؤلاء؟
حتى استعمال الإشارة لتغيير المسار أصبحت تعتبر إشارة ببدء الحرب لمن هم خلفك بمسافات ليقودوا بأقصى سرعة منعاَ لك من الدخول في مساره وكأن الطريق حق مكتسب له ولأهله. أو أنانية بعضهم في القيادة وسط مسارين للطريق ليضع الخط الفاصل من عيون القطط وسط سيارته. فهو يملك المسارين ولن يضيع أحدهما لأي كان. أو من يدخل من الطريق الفرعي ليدخل الطريق العام دون أن يتوقف لرؤية المقبلين من اليسار أو اليمين. وعدم احترام المشاة حتى في الأحياء السكنية والتي أصبحت طرقها أسرع من الطرق السريعة.
تعودت أن أترك مسافة للأمان بيني وبين السيارة التي أمامي ولكن تركي لذلك الفراغ يجعل الذين خلفي يدقون أبواقهم والذين بجانبي في المسار يدخلون علي.
ومنتهى الإزعاج الخطير هو أن ترى من يلصق صدام سيارته بسيارتك على الطريق السريع ويضيء أنواره العالية وأبواقه لتفسح له المجال ليجتازك فهو أهم منك. ولو حاولت التباطؤ، فإنك قد تدخل في معركة وشجار قد يطول. وهو غير مبال أصدمت سيارتك أم ذهبت أنت وأهلك ضحية الموت؟ الأهم أنه يملك الطريق هو غير مبالٍ بك. فأنت أخرته عن جمعة الشباب في الاستراحة.
أصبحت القيادة لها علاقة بالكرامة والشهامة والعصبية لمن يحق له أن يملك الطريق. وأصبح الجميع في الطريق أعداء لنا يجب أن نوقفهم عند حدهم ليقفوا إلى جانب الطريق ويتركوا الطريق للنشامى.
أستغرب ذلك من أناس يقومون بهذه التصرفات في الوقت الذي نراهم خارج المملكة وفي الخليج العربي يتقيدون ويحترمون الآخرين فهل مواطنو تلك الدول أهم وأكبر قيمة لدى هؤلاء المستهترين من وطننا ومواطنينا؟ أم إن من أمن العقوبة أساء الأدب.
هل كشفت قيادة السيارات أخلاقياتنا الاجتماعية وهل هذا المثل على النفاق الاجتماعي فقط يتمثل في القيادة المرورية أم أنه متفش في الكثير من عاداتنا الاجتماعية. فنحن نلزم الآخرين بحضور مناسبة الزواج بينما نجد أكثرهم يتمنى لو لم يدع بل بعضهم يتذمرون عند بقية أصحابهم بأنهم أزعجوا ومضطرون للحضور! أمور كثيرة متفشية لدينا فمتى نصلح أنفسنا. فإن الله لا يصلح ما بقوم حتى يصلحوا ما بأنفسهم.
الحل لمشكلة القيادة هو في عدم وجود القانون وعدم تطبيقه ومعاقبة المستهترين به. ولن ألوم شرطة المرور فبعضهم أول المستهترين ولم ينتهوا حتى اليوم من إعلان نظامهم الجديد! بل هم يرون هؤلاء المستهترين عند كل إشارة فيتجاهلونهم ويلتفتون على المؤدبين ومن نسى ربط حزام الأمان ليعطوه مخالفة. فأي المصيبتين أكبر؟ إن معظم هؤلاء يخافون القانون خارج المملكة ولكنهم يستهينون بنا وبقانون دولتنا التي لم تطبقه. وهذه الفوضى المرورية عوضاَ عن كونها مرضاَ اجتماعياَ، إلا إنها تسبب الخسائر في الأرواح والممتلكات. فتفقد الأسر عائلها ويفقد العائل أسرته بسبب تهاوننا مع هؤلاء المرضى النفسيين والمستهترين بالدولة والمواطن. يبدو لي أن هناك نفاقا اجتماعيا ومجاملة بين المستهترين ورجال المرور!
آمل أن يعذرني القلة المؤدبة والتي ما زالت محافظة بأخلاقياتها، على هذا الطرح والذي أعبر عنه من غيرتي على هذا المجتمع وحرصي على إظهار الصورة الحقيقة لواقعنا وعسانا نتغير للأفضل. وهي دعوة للمسؤولين لضرورة التدخل السريع قبل أن نفقد أنفسنا وأهلنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي