مجمع بترورابغ وفرص استثمارية واعدة (2 من 2)

مجمع بترورابغ وفرص استثمارية واعدة (2 من 2)

[email protected]

تعرضنا في المقال السابق إلى مجمع بترورابغ بشكل عام، وكيف أن مخرجات المجمع يمكن تقسيمها إلى منتجات تكريرية، وهي الجازولين (وقود السيارات) وزيت الوقود. وأما الجزء الآخر من المخرجات، وهو الأهم، يتمثل في المنتوجات البتروكيماوية. فالتقديرات تشير إلى إنتاج 900 ألف طن سنوياً من البولي إيثيلين الخام و700 ألف طن من البولي بروبيلين الخام و600 ألف طن من جلايكول الإيثيلين.
معظم المواد البلاستيكية يتم إنتاجها لأول مرة في المملكة، وتختلف في خصائصها ومواصفاتها قليلاً عن مثيلاتها التى تنتج من قبل "سابك" أو "التصنيع"، وهذا يؤده إلى اختلاف تطبيقاتها واستعمالاتها. ولكن يعتبر إنتاج 200 ألف طن سنوياً من أوكسيد البروبيلين سابقة نوعية، حيث ينتج لأول مرة في الشرق الأوسط، وتم استعمال تقنية "سوميتومو" لإنتاجه لأول مرة خارج اليابان.
ومن أبرز الشركات العالمية المنتجة لأوكسيد البروبيلين "داو كيميكال"، "هانتسمان"، و"لايونديل" وفي الفترة الأخيرة اكتسبت "سوميتومو" تقنية جديدة لإنتاجه بواسطة استخدام مركب الكيومين كوسيط. ومن ميزات هذه التقنية أنها لا تنتج مواد أخرى جانبية مع أوكسيد البروبيلين، أي أنها انتقائية أكثر من التقنيات الأخرى المتوافرة.
ينمو الطلب العالمي على أوكسيد البروبيلين بنسبة 2 إلى 3 في المائة، ويفوق سعر الطن 2000 دولار أمريكي، وتعتبر شركة داو كيميكال منتجا رئيسا لهذه المادة في العالم، وهي من اللاعبين المؤثرين في تحديد سعر هذه المادة. ويبقى أن نعلم أن تكلفة إنشاء هذه الوحدة لإنتاج 200 ألف طن سنوياً من أوكسيد البروبيلين يقارب 200 مليون دولار أمريكي.
يستخدم أوكسيد البروبيلين في العديد من الصناعات، ويمكن تلخيصها في التالي:
* صناعة البولي إيثر بوليول يدخل في صناعة اليوريثين الذي يعد مكونا رئيسا لكثير من المفروشات وكراسي السيارات وبعض مواد البناء، ويستخدم نحو 58 في المائة من أوكسيد البروبيلين في هذه الصناعة.
* صناعة جلايكول البروبيلين (يستخدم في صناعة المساحيق الطبية، السوائل الهيدروليكية، إنتاج مادة البوليستر غير المشبعة، وكثير من الصناعات التكميلية). ويستخدم نحو 22 في المائة من أوكسيد البروبيلين في هذه الصناعة.
* بروبيلين جلايكول إيثر وبروبيلين كاربونيت، وهي من المذيبات، ويستخدم نحو 8 في المائة من أوكسيد البروبيلين في هذه الصناعة.
* صناعات أخرى مثل مركبات إيزو بروبانول أمين، مركبات اليول الكحولية، وجلايكول البولي الكيلين. ويستخدم نحو 11 في المائة من أوكسيد البروبيلين في هذه الصناعة.
وفي الختام، سينتج عن مجمع بترورابغ 1.5 مليون طن سنوياً من البلاستيك الخام إضافة إلى 600 ألف طن من جلايكول الإيثيلين و200 ألف طن من أوكسيد البروبيلين. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيتم تصنيع هذه المواد البتروكيماوية الخام بإنشاء مدن صناعية قريبة من مجمع بترورابغ؟ حيث من الأفضل اقتصادياً واستراتيجياً أن تقوم الصناعات النهائية أو حتى ما قبل النهائية على أرض المملكة، حتى لو تم ذلك باستقطاب شركات أجنبية ذات خبرات كبيرة في مجالات تصنيع البتروكيماويات.
أُعلن عن تبني خطط لإقامة نحو 50 مصنا تحويليا إلى جانب مجمع رابغ البتروكيماوي، وهى خطوة رائعة تستحق الإشادة، لأن تصدير البولي إيثيلين والبولي بروبيلين الخام إلى الصين مربح على المدى القريب، لكن يجب ألا يكون الخيار الأول، وقد يكون الحل الأخير.
أجد هنا من الأهمية بمكان ذكر مثال يظهر مقارنة بسيطة بين تصدير البلاستيك الخام وبين التصنيع النهائي، وأقرب مثال إلى الذهن هو تصنيع صدامات السيارات، حيث يصل وزن الواحد منها نحو خمسة كيلو جرامات، ويصنع بدرجة أساسية من البولي بروبيلين وبعض الإضافات الأخرى القليلة.
يجب ملاحظة أن سعر خمسة كيلو جرامات من البولي بروبيلين الخام المصدر يصل حالياً إلى 20 ريالا، بينما يصل متوسط سعر هذا الصدام نحو ألف ريال، أي أن الصناعة أضافت إلى أسعار البولي بروبيلين 50 ضعفا، وبمعنى آخر يصدّر الكيلو جرام من البولي بروبيلين بأربعة ريالات ويعاد استيراده بعد تصنيعه بـ 300 ريال.
ومن حياتنا اليومية تعتبر فرش الأسنان مثالا آخر، نجد في أسواقنا الكثير من فرش الأسنان المستوردة للمملكة من الخارج، وتصل قيمة الفرشاة الواحدة إلى نحو عشرة ريالات، أي أن تصنيع فرش الأسنان قد أضاف قيمة للبلاستيك الخام تقارب 100 ضعف، حيث إن الكيلو جرام الواحد من البلاستيك الخام يصنع نحو 60 فرشاة.
قد يكون من المجدي اعتماد سياسات صارمة بخصوص الصناعات البتروكيماوية التحويلية في الجبيل وينبع ورابغ ورأس تنورة. فتصدير كميات كبيرة من الخام البلاستيكي في بدايات الإنتاج قد يكون مبرراً، ولكن يجب أن تتناقص الكميات المصدرة بعد ذلك باعتماد وتشجيع الصناعات التحويلية والسماح للرساميل الأجنبية بإنشاء مصانع في المملكة، حيث القرب من المواد الأساسية وأيضا القرب من قناة السويس، التي تمثل الطريق السريع إلى أوروبا.
ويجب إدراك أن تصدير البلاستيك الخام ليس خيارا استراتيجيا، وأن الثروات النفطية والغازية محدودة، وأن لها عمرا معينا وقد يأتي يوم وتنضب، من أجل ذلك يجب استغلالها الاستغلال الأمثل والتخطيط السليم لاستثمار عصر النفط والغاز، والتحضير لوقت لا يوجد فيه لا نفط ولا غاز، وذلك بإنشاء البنى التحتية الصناعية والبلدية. ويجب التركيز في الصناعة على النوع أكثر من الكم.

* أكاديمي متخصص في شؤون تكرير النفط والبتروكيماويات ـ الظهران

الأكثر قراءة