رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إنفلونزا الأسعار!

[email protected]

الغلاء العام في الأسعار من أعظم الأمراض الاقتصادية التي تسعى إلى مكافحتها الدول الواعية, التي تريد المصلحة والخير لشعوبها؛ لأنه ينخر في اقتصاد البلد, حتى يتحول هذا المرض إلى وباء, لا سمح الله, ما ينذر بمخاطر عامة وكبيرة, ومن أبرزها أن هذا الفيروس يمتص الدماء من شرايين الحياة, حتى يصيب العامة بفقر الدم, وربما بشلل الفقر الرباعي المزمن, ولا يسلم من هذا الفيروس إلا من كانت لديه المناعة المقاومة لهذا الداء. ومن غوائل هذا الوباء أنه يوسع من هامش الجريمة في المجتمع, بحيث يحمل أصحاب النفوس الضعيفة على البحث عن المال بأي وسيلة ولو بأسلوب السلب, أو النهب, أو السرقة.. إلخ, إذن فهو لا يستهدف اقتصاد البلد فقط, بل يستهدف أمنه واستقراره أيضاً!! كما أنه يجعل الفرد يلهث وراء لقمة عيشه حتى يستطيع أن يتكيف مع هذا الغلاء! وهذا واقع مشاهد في بعض الدول العربية, التي ارتفعت عندها الأسعار إلى حد أصبح معه المواطن لا يفكر إلا في لقمة عيشه, فلا يفكر في تربية, ولا في تعليم, ولا في رقي, وإنما يفكر في لقمة العيش, وحسب! وهذا أحد الأسرار التي حدت بنبينا, صلى الله عليه وسلم, أن يتعوذ من الفقر؛ لما يجر إليه من مفاسد ومخاطر كثيرة.
وتتفاقم المشكلة حين تكون بعض أسباب الغلاء مفتعلة من هذا التاجر أو ذاك, وحين تكون مصطنعة من هذه الشركة أو تلك. ودعني أرصد لك أيها القارئ الكريم بعض هذه التصريحات المهمة التي تكشف لك جانباً من هذا الواقع المؤسف:
ففي مجال السلع الصناعية جاء في جريدة "الوطن" (العدد 2613), بتاريخ 15/11/1428هـ على لسان وزير التجارة, أنه قال أثناء إجابته عن أسئلة الحضور خلال ورشة العمل التعريفية التي عقدها مجلس حماية المنافسة في غرفة جدة "إن جميع شركات الأسمنت (تواطأت لرفع السعر) قبل نحو سبعة أشهر قبل أن تتدخل الوزارة, وتطالب الشركات بتصحيح الأسعار؛ لتعكس ما طرأ على تكاليف الاستيراد والإنتاج من زيادة حقيقية" واستثنى وزير التجارة شركة أسمنت ينبع التي رفضت الدخول في التحالف لرفع الأسعار. ثم قال "لو لم تستجب الشركات السبع الباقية لتوجيه الوزارة, لكانت تلك الشركات أولى الحالات التي يتخذ مجلس حماية المنافسة إجراءات نظامية في حقها! " وهنا أتساءل كما يتساءل كل مواطن بسيط: ما حال الملايين التي حصلتها تلك الشركات أثناء فترة التواطؤ؟ وما موقف الوزارة منها؟ وقد كان جواب الوزير "لو لم تستجب...لاتخذنا إجراءات نظامية في حقها! "
وفي مجال السلع الغذائية جاء في جريدة "الرياض" (العدد 14321), بتاريخ 27/8/1428هـ الخبر التالي:"عزا معالي صالح السليمان المدير العام للمؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق ارتفاع أسعار الدقيق في السوق المحلية إلى (وجود تجار يعملون على تخزين كميات كبيرة من الدقيق!) مؤكداً أن ذلك بغرض (تقليل المعروض في السوق؛ لزيادة الأسعار), وقال السليمان: إن هذه التصرفات من قبل التجار ليست جديدة! وإنما هي متكررة في كل شهر يسبق شهر رمضان الذي يزيد فيه الطلب, مشيراً إلى أن من ضمن العوامل التي تصاحب عمليات التخزين وجود عمليات تهريب للدقيق لجهات مجهولة لم يحددها السليمان! " إنها مخالفة صارخة للحديث الشريف: (لا يحتكر إلا خاطئ) أي: مذنب, كما أنها مخالفة نظامية, يجرمها القانون, فأين أجهزة الرقابة, وأين العقوبة الرادعة؟
وفي مجال السلع الدوائية جاء في جريدة "الاقتصادية" (العدد 5149), بتاريخ 7/11/1428هـ خبر مفاده: "أدوية تصنع في الأردن تباع هناك بسعر يقل عن سعرها لدينا ثلاث مرات، ومنتج مصري يحصل عليه المصريون ومن يقيم هناك بما يعادل ريالاً سعودياً واحداً، بينما يباع المنتج نفسه بعشرة ريالات في المملكة!" وحين صدر قرار وزارة الصحة بتسعير بعض الأدوية بسبب بعض الغلاء غير المبرر, أيد هذا التسعير حشد من أصحاب الاختصاص, كما جاء على لسان الجريدة بما نصه:"(صيادلة ومتخصصون) اعتبروا هذا القرار بمثابة تصحيح جزئي لزيادات غير منطقية طرأت على أسعار بيع الأدوية كلها!) ودعوا إلى إقرار خفوضات أكثر حتى يستقيم الوضع الذي (استغلته شركات الأدوية بصورة سيئة!)".
وأعتقد أن هذه الأمثلة الثلاثة كافية في التدليل على أن الغلاء الوارد على بعض السلع, غير مبرر, وأن هذه الممارسات- الخارجة عن النطاق الأخلاقي والأدبي- تدل على غيرها مما لم ينشر!! وأنها مجرد استغلال سيئ لموجة الغلاء التي لحقت بالسوقين المحلية والدولية, وهو دليل واضح وصريح على أن بعض أعراض الإنفلونزا غير حقيقية, وإنما هي من باب التظاهر بالإصابة بالعدوى؛ ليأخذ التاجر الشره نصيبه من الكعكة!! وقد أخذت وزارة الصحة (أخيراً) بزمام المبادرة حين فرضت التسعير, وربما كان هذا لما لديها من خبرة طبية, استطاعت بسببها أن تفرق بين الإنفلونزا الحقيقية والكاذبة! والواجب أن يحال أولئك المتحالفون على رفع الأسعار إلى القضاء, ولا سيما الشركات التي تمارس الاحتكار جهاراً نهاراً! وكم أجادت "كلمة الاقتصادية" حين جادت علينا الأربعاء الماضي بالاقتراح التالي:"متى ما تم عرض تلك المخالفات- تحالف بعض الشركات على رفع الأسعار- على القضاء التجاري, فإنها ستكون خاضعة للفحص الدقيق, والمساءلة للأشخاص متخذي القرار في تلك الشركات، ولأن القضاء يشعر الأطراف بأن صرح العدالة واستقلاله وضماناته توفر القناعة لعدالة ما يحكم به. وتشير الدراسات الاقتصادية والقانونية إلى أن معالجة القضاء الاحتكار والمنافسة التجارية غير المشروعة أعطت ثمارها, وأسهمت إلى حد كبير في إيصال رسالة إلى شركات الإنتاج، بأن أي تنسيق أو تخطيط يراد منه الإضرار بالمستهلكين سيكون مجالاً للمساءلة القضائية, والحكم بالتعويض, فضلاً عن معاقبة متخذي القرار في تلك الشركات" فهل يعي ذلك أصحاب القرار, من أجل الحد من هذه التصرفات والمهازل التي أضرت بمداخيل العامة؟ آمل ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي