قمة الدوحة تفاهم الجوار

[email protected]

خلال الفترة من 23 إلى 24 ذي القعدة من عام 1428هـ عقد في الدوحة العاصمة القطرية الاجتماع الـ 28 للقادة منذ تأسيس المجلس, وتميزت هذه القمة بحضور كل القادة الخليجيين, إذ مرت عليه فترة ليست بالقصيرة لم يحدث فيها هذا, حيث تعذر حضور جميع القادة في السابق لأسباب مرضية أو لأسباب سياسية تحدث بين وقت وآخر بين الدول الأعضاء في المجلس, كما أن حضور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يعد حدثاً بارزاً في هذه القمة, خاصة أنه يجيء في زمن تشتد فيه الأزمة بين أمريكا وإيران بشأن الملف النووي لإيران الذي حاولت الولايات المتحدة توظيفه خلال الفترة الماضية وتصعيد الأزمة لعدة أسباب, منها إثارة مخاوف دول الخليج والعالم العربي, إضافة إلى لفت الأنظار عن الأوضاع المتردية للجيش الأمريكي في العراق, سواء كان ذلك لجمهور سكان الولايات المتحدة أو في العالم كافة حفاظاً على سمعة بلد القوة والغطرسة العالمية. كما أن تصعيد الأزمة مع إيران يهدف إلى التخفيف من الدور الإيراني في العراق الذي يمثل عقبة كأداء في طريق الولايات المتحدة وتحول دون تحقيقها استراتيجية الهيمنة على بلد من أكثر بلدان العالم في احتياطي النفط.
وحسبي أن نقف عند هذه القمة نحلل ونربط الأحداث مع بعضها سواء بين دول المجلس من طرف, وإيران من الطرف الآخر, أو بين دول المجلس, ودول العالم الآخر أو بين إيران, والدول الأخرى خاصة الولايات المتحدة, ومعها بعض الدول الغربية. العلاقات بين الأمم والشعوب علاقات متقلبة وغير ثابتة, وكما يقال في السياسة لا صديق دائما, ولا عدو دائما بل مصالح دائمة, لكن في العموم العلاقات ربما تقوم على بعض الأسس, ومنها وجود مبادئ, وقيم, وثقافة مشتركة بحيث تكون, أو يجب أن تكون منطلقاً لعلاقات حميمة للدول أو الشعوب التي تجمع بينها هذه الأسس, وأبرز مثال على ذلك الدول الإسلامية إذ يفترض أن يكون الإسلام موحداً لها جامعاً بين شتاتها, فإندونيسيا في أقصى العالم شرقاً, وموريتانيا في الطرف الآخر, ومع ذلك يجمع بينهما الدين. أما المبدأ الثاني فهو المصالح المتبادلة سواء كانت هذه المصالح اقتصادية أو عسكرية أو سياسية, وهذا الأساس ينطبق على كثير من دول العالم, حيث تبادل البضائع والسلع, ولا سيما البضائع ذات القيمة الاقتصادية العالمية كالنفط الذي جعل من دول الخليج منطقة مغرية وربطها بعلاقات اقتصادية قوية, وأعطاها نفوذاً ولو مؤقتاً محدوداً في بعض المسائل والقضايا. الجغرافيا الواحدة التي توجد فيها بعض الدول توحد في كثير من الأحيان بين الدول وتوفق بين سياساتها المختلفة, فأوروبا على سبيل المثال تمكنت من إيجاد الاتحاد الأوروبي كمظلة توحد بين سياساتها في مواجهة قضايا العالم, والتحديات التي ربما تواجهها هذه الدول أو أي دولة منها رغم أن الاختلافات في النظم السياسية والقوانين, واللغات أمور ماثلة للعيان, لكن هذه الاختلافات لم تمنع هذه الدول من الانضواء تحت هذه المظلة. مجلس التعاون عندما تشكل قبل 28 عاماً كانت شعوبه تؤمل تحقيق أهداف كبرى, لكن مسيرة المجلس الطويلة لم تتحقق خلالها هذه الأهداف, وكثيراً ما عبر قادة دول المجلس عن هذا الأمر, وآخرها ما ذكره أمير قطر الشيخ حمد آل ثاني في كلمته أمام القادة حيث قال إن إنجازات المجلس أقل من طموحات شعوب دوله. وهو بهذا التشخيص محق, إذ إن ما يكتب في الصحافة, وفي البرامج الإذاعية والتلفزيونية, وما يذكر في المنتديات يصب في هذا الاتجاه, رغم أن دول المجلس يوجد بينها الكثير من القواسم المشتركة, فالدين, اللغة, الثقافة العامة, والجغرافيا المشتركة كلها عناصر قوة تؤكد حتمية الاتفاق في معظم القضايا إن لم تكن كلها. وإذا كانت العناصر السابقة تجمع بين دول المجلس ودول أخرى, وبالأخص إيران, فالدين وجغرافية الإطلال على الخليج, إضافة إلى عنصر المصالح المشتركة تمثل عوامل تدعم التوافق على سياسات من شأنها المحافظة على الأمن, والاستقرار في المنطقة بدل البحث عن أسباب التفرقة, والتشتت. إن قراءة تاريخية متأملة للعلاقة بين إيران ودول الخليج العربي في العصر الحديث تبين أنها علاقة مرت بصور مختلفة, إذ إن إيران في زمن الشاه كانت قوة مؤثرة تحظى بدعم أمريكي واضح ترتب عليه احتلال إيران جزر الإمارات العربية الثلاث: جزيرة طنب الكبرى, طنب الصغرى, وجزيرة أبي موسى, ومع إقدام إيران على هذه الخطوة إلا أن الحدث لم تنتج عنه أزمة وتوتر في العلاقات, وبعد حدوث الثورة في إيران بدأت رياح التوتر في العلاقات تهب من كل جهة وبدأت الدول الكبرى خاصة أمريكا تستغل الوضع الجديد في المنطقة نظراً لما يحدثه الوضع الجديد من مخاوف لدى أنظمة وشعوب المنطقة, ويعلم الجميع الظروف التي حدثت فيها الحرب الطاحنة بين العراق وإيران, وخسرت بموجبها الدولتان الكثير من الأنفس والأموال, والعتاد الحربي, كما خسرت من جراء ذلك دول الخليج أموالاً طائلة أثرت في اقتصاداتها ما جعلها تعاني فترة طويلة في ميزانياتها. وبعد انتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية دخلت المنطقة في أتون حرب جديدة أكلت الأخضر واليابس وألحقت بدول المجلس مديونية كبيرة ألا وهي حرب تحرير الكويت, ودخلت العلاقات بين إيران ودول المجلس مرحلة من الهدوء والتقارب الحذر نظراً لوجود أمور معلقة مثل الجزر الثلاث, إضافة إلى هواجس وعوامل قلق متبادل. ومع اشتداد وطأة الحرب في العراق بعد الاحتلال الأمريكي بدأت حالة القلق تظهر بصورة أشد لدى دول مجلس التعاون نظراً لتدخل إيران لصالح بعض الفئات العراقية على حساب فئات أخرى, ووجدت الولايات المتحدة فرصة سانحة لها في هذا الوضع حيث بدأت تلعب على تناقضات المصالح والاختلافات المذهبية والعرقية, ما زاد من وتيرة القلق الناشئ من اختلال ميزان القوى, ثم جاء موضوع الملف النووي الإيراني ليزيد من حمأة الموقف, لكن حكمة قادة دول المجلس أدركت الخطر الداهم الذي يهدد الجميع عرباً وفرساً, وأكراداً, ويبدد الثروات لصالح الدول الكبرى.
إن حضور الرئيس الإيراني قمة الدوحة يمثل واقعية سياسية تدرك أن إيران دولة جارة نشترك معها, إضافة إلى الإطلالة على الخليج, في الكثير من الأمور, كما أن المصالح المشتركة توجب التفاهم بشأن الأمور المختلف عليها سواء ما له علاقة بالعراق, أو بالملف النووي, إذ لا مبرر لأي دولة مهما بلغت قوتها أن تقف في وجه دولة أخرى تمنعها من تطوير, وتنمية ذاتها. الولايات المتحدة تقرع طبول الحرب في العلن لكنها في السر تجري المحادثات وتعقد الاتفاقات مع إيران, وما تقرير جهاز المخابرات الأمريكية بشأن الملف النووي الإيراني إلا تكتيك يستهدف حفظ ماء الوجه للبيت الأبيض الذي ولفترة طويلة يهدد بالحرب على إيران. إن إدراكنا أن أمريكا ومعها بعض الدول الأوروبية لن يستريح لها بال إلا بعد تفتيت العالمين العربي والإسلامي بغرض استغلال ثرواته يستوجب منا تجاوز خلافاتنا والتفاهم بشأنها لتحقيق أهداف أكبر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي