حاجز الـ 80: أعباء إضافية
وأخيرا تخطى سعر برميل النفط 80 دولارا، وبكل ما لهذا الحدث من دلالات نفسية على الأقل تماثل تخطيه حاجز 50 دولارا للبرميل في فترة من الفترات، فإن السؤال الذي يفرض نفسه: هل يتمكن السعر الجديد من تثبيت نفسه في السوق، الأمر الذي يفتح الطريق عمليا أمام تصاعده إلى 100 دولار، أم أن القفزة الأخيرة يمكن أن تكون منقطعة الجذور وبالتالي تظل الأسعار تراوح في معدلها الحالي بين 60 و80 دولارا للبرميل؟
السعر الجديد يعني في واقع الأمر حدوث مضاعفة بنسبة 400 في المائة منذ عام 2000، وعندما بدأت أسعار النفط رحلة صعودها المستمرة منذ ذلك الحين، وبعد تخطي آثار قرار مؤتمر جاكرتا عام 1997، حيث أسهم رفع السقف الإنتاجي إلى حدوث مضاعفات في سوق ضعيفة أساسا وتناول إعلامي انطباعي دفع سعر البرميل إلى الانحدار بصورة دفعت المنتجين داخل منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" وخارجها إلى تكثيف جهودهم بصورة بدت نادرة، بدليل أن قيادة السوق النفطية تمثلت عمليا في الجهد المشترك لكل من السعودية، فنزويلا والمكسيك، والأخيرة ليست عضوا في المنظمة، لكنها مثلت قناة اتصال مهمة مع المنتجين الآخرين. وهي الجهود التي نجحت أولا في وقف تدهور الأسعار، بل ورفعته ثلاثة أضعاف في غضون عام واحد، وبعد ذلك التقدم متجاوزا حاجز الـ 40، فـ 50 إلى 60 دولارا للبرميل، وهاهو الآن يتخطى حاجز الـ 80.
الأسباب تتعدد، لكن تظل القاعدة التي انطلقت منها عمليات التصاعد السعري الأخيرة مرتبطة بعناصر ثلاثة: الطلب القوي في آسيا بقيادة الصين والهند وكذلك العديد من الدول النامية الأخرى، وهناك أيضا أن الصناعة النفطية في كل من فنزويلا والمكسيك لم تتعاف كليا من المتاعب التي تعرضت لها سواء في الإضراب الفنزويلي الشهير أو بعض المشكلات الهيكلية المتعلقة بصناعة النفط الفنزويلية. وأخيرا فهناك عمليات الانقطاع في الإمدادات الحقيقي منها أو المفتعل في بعض الدول المنتجة، خاصة تلك الأعضاء في "أوبك"، ويضاف إلى ذلك البعد الأمني والجيوستراتيجي.
هذه العناصر لا تزال فاعلة بصورة أو أخرى، بدليل التصاعد الأخير في الأسعار رغم المتاعب الخاصة بأزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة والتخوف من اندياحها إلى الأسواق الأخرى، خاصة في الدول الصناعية الغربية، لكن يلاحظ أن الوكالة الدولية للطاقة في تقريرها للأسبوع الماضي استبعدت وجود تأثير كبير يذكر على وضع الطلب على النفط.
ومع أن البعض اعتبر هذا التقييم مسعى من الوكالة لحسم تردد "أوبك" ودفعها باتجاه اتخاذ خطوة لزيادة إمداداتها للسوق، إلا أن هذا التحليل لا يخلو من صحة. فإذا كانت قاطرة الطلب الأساسية أصبحت السوق الآسيوية التي تستوعب نحو 60 في المائة من الصادرات النفطية السعودية مثلا، فإن ما يجري في الدول الغربية التقليدية أصبحت تتراجع أهميته شيئا فشيئا، وهو ما يظهر في تراجع حجم الاستهلاك النفطي في هذه الدول واستمرار الأسعار في الارتفاع، لأن هناك منطقة أخرى أصبحت تستوعب المزيد من الإنتاج النفطي، وهو ما ينعكس على سعر البرميل. مع الأخذ في الاعتبار أن برامج ترشيد استهلاك الطاقة في شكلها النفطي لا تزال في بداياتها في المنطقة الآسيوية، وكذلك قدرة اقتصاداتها على تحقيق أكبر قدر من الفعالية في استغلال استهلاك الطاقة وتحقيق معدلات إنتاجية أعلى.
الباحث الأمريكي المعروف دانييل يرجن مؤلف كتاب "الجائزة" الذي يعتبر من أفضل الكتب التي أرّخت لصناعة النفط العالمية، وصف يوم الخميس الماضي عندما تخطى سعر برميل النفط 80 دولارا أنه يوم تاريخي، مضيفا أنه سينعكس على العديد من مناطق الخطر بالنسبة للسوق مثل العراق ونيجيريا.
على أن الخطر الأكبر في تقديري يتمثل في تغير قواعد اللعبة والسرعة التي تتطور بها الأوضاع للدرجة التي لا يمكن ملاحقتها، وغياب الآليات اللازمة للتعامل مع هذه المتغيرات. ويمكن أخذ اجتماع "أوبك" الأخير نموذجا، فالقرار بخصوص ضخ المزيد من الإمدادات من عدمه يحتاج إلى رؤية واضحة حول الطلب ظلت غائبة. فالعناصر الخاصة بالوضع الاقتصادي لدى الدول المستهلكة لم تعد تركز على الدول الغربية حيث المعلومات متاحة، وإنما على مناطق مثل الصين لا يعرف بها إلا بعد حدوثها فعليا.
ثم إن السوق تتحول إلى سوق بائعين، وفي غياب قدرات قيادية لدى "أوبك"، ليس فقط في جانب توافر الطاقة الإنتاجية الفائضة التي تمكن المنظمة من التأثير في السوق بصورة ملائمة، وإنما في اضمحلال القدرة على العطاء الفكري القادر على ابتداع السياسات والخيارات الملائمة التي يمكن التحرك على هديها، وهو ما يلقي بأعباء إضافية على السعودية التي تكاد تكون المحرك الوحيد لأنشطة المنظمة.