أسعار النفط تواصل التحليق و"أوبك" تتجاوز "هواجس" جاكرتا

أسعار النفط تواصل التحليق و"أوبك" تتجاوز "هواجس" جاكرتا

ما بين الموازنة بين ضغوط السوق والمستهلكين بقيادة الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة لضخ المزيد من الإمدادات تخفيفا لحالة الاحتقان التي عبرت عن نفسها في شكل ارتفاع الأسعار وبقائها في معدلات عالية، والخوف أن يسهم رفع الإنتاج في دفع الأسعار إلى التدهور، تعاملت منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) مع الوضع بشيء من المرونة المشوبة بالحذر، فهي من ناحية أرسلت رسالة إلى المستهلكين أنها تضع اهتماماتهم في الاعتبار، لكن حجم الزيادة التي قررتها توخى جانب الحذر، إذ قررت زيادة نصف مليون برميل يوميا يبدأ العمل بها من الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وهو خطوة يرى البعض أنها ليست كافية وجاءت متأخرة. فاحتياجات السوق في رأي هؤلاء تصل إلى المليون برميل، وكان يفترض بدء العمل بالقرار منذ مطلع الشهر المقبل كي يكون له تأثير. على كل أمين عام المنظمة عبد الله البدري وجد في القرار الفرصة للقول إنه يوضح للعالم أن المنظمة مهتمة بوضع السوق لذا قامت بزيادة الإنتاج.
لكن في الحساب العملي والواقعي يبدو أن القرار الفعلي جاء في منزلة بين المنزلتين، فالقرار الذي يقصر نظام الحصص على الدول العشر الأعضاء باستثناء العراق وأنجولا، قام في واقع الأمر بتقنين 900 ألف برميل يوميا تنتجها هذه المجموعة فوق السقف الإنتاجي الذي التزمت به، وهو 25.8 مليون برميل يوميا، إثر قراري مؤتمري الدوحة وأبوجا في أخريات العام الماضي، إذ قامت المنظمة بالعمل على خفض إمداداتها إلى السوق بنحو 1.7 مليون برميل على مرحلتين، ولو أن القرار لم ينفذ بالكامل. وإذا وضع في الاعتبار أن القرار يضيف 500 ألف برميل يوميا، فيصبح القرار الرسمي زيادة 1.4 مليون، وكأنه بذلك يلغي القرار السابق.
القرار بزيادة الإنتاج رغم أنه الأول من نوعه في غضون عامين، اعتبر أنه تمكن من تجاوز هواجس جاكرتا، كما يطلق عليها. والإشارة إلى القرار الذي اتخذته المنظمة في أواخر عام 1997 برفع سقف الإنتاج 10 في المائة إلى 27.5 مليون برميل. فقد ظل هذا القرار معشعشا في أذهان الوزراء، ووصل الأمر بوزير النفط الجزائري شكيب خليل إلى القول إنه من الأفضل إبقاء المعدل الإنتاجي الحالي للمنظمة على حاله وعدم تكرار "غلطة" جاكرتا، لكن وجهة النظر السعودية التي لعبت دورا أساسيا في التوصل إلى القرار الأخير كانت ترى أنه ربما يكون من الأفضل تكرار ما حدث في جاكرتا، وذلك بدلا من الإسهام في إحداث تباطؤ اقتصادي قد ينتهي إلى ركود بسبب ارتفاع الأسعار.
ومع أن حالة الترقب لعبت دورها في إبقاء الأسعار مرتفعة، إلا أنه بالرغم من الزيادة الصغيرة في حجم الإمدادات من قبل المنظمة إلى السوق، وتقدير الوكالة الدولية للطاقة في تقريرها الشهري أن الطلب مرشح للتراجع خلال الربع الأخير من هذا العام وكذلك العام المقبل، إلا أن الأسعار التي لم تسجل تراجعا يذكر وجدت في الأرقام الخاصة بحجم المخزون الأمريكي وتراجعه، ما يدفعها إلى قرابة 80 دولارا مجددا، بزيادة 1.68 دولار في البرميل، أو نحو 2.2 في المائة دفعة واحدة، وهو معدل تبدو مرشحة للبقاء فوقه لفترة أطول مما شهدته السوق من قبل، خاصة وهناك احتمال أن تلعب عمليات المضاربة دورا في هذا الصدد بحجب بعض الإمدادات وعدم إيصالها إلى الأسواق في أوقاتها المحددة.
الوكالة في تقريرها الدوري لهذا الشهر توصلت إلى أن حجم الطلب سيتراجع خلال فترة الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام بنحو 250 ألف برميل يوميا إلى 87.8 مليون برميل، كما خفضت توقعاتها في الوقت ذاته بنحو 160 ألف برميل يوميا إلى 88 مليونا، مضيفة أن هذه الأرقام يمكن أن تخضع إلى مراجعة مستقبلا.
ويبدو أن هذا التقدير يعتمد على قراءة لوضع الطلب خلال شهري حزيران (يونيو) وتموز (يوليو) الماضيين، وهو ما ترى أنه أنعكس على وضع الإمدادات التي تراجعت بنحو 430 ألف برميل يوميا خلال الشهر الماضي إلى 84.6 مليون برميل، ويعود ذلك إلى تراجع في إمدادات العراق وبحر الشمال والمكسيك، علما أن إجمالي الإمدادات من الدول الأعضاء في المنظمة بلغ 30.4 مليون، وهو ما يضع حجم الطاقة الإنتاجية الفائضة في حدود تقل عن ثلاثة ملايين برميل يوميا. وكانت الوكالة ترى في تقريرها السابق أن الطلب خلال الربع الأخير من العام يمكن بأن يرتفع من 86.1 مليون برميل بنحو المليوني برميل، الأمر الذي سيضع ضغطا على حجم المخزون.
لكن رغم ذلك وبسبب الأرقام التي بثتها إدارة معلومات الطاقة عن حجم المخزون، فإن الأسعار واصلت تحليقها إلى أعلى بعد أن اتضح أن حجم السحب من النفط الخام تجاوز سبعة ملايين برميل إلى 322.6 مليون، وهو ما يمثل ثلاثة أضعاف ما كانت تتوقعه السوق، كما أنه أكبر حجم للسحب خلال فترة ثمانية أشهر.

شرح الصورة
عمال في مستودع نفطي في بانكوك أمس الأول. ويعيش التايلانديون معاناة اقتصادية جديدة إثر ارتفاع أسعار النفط، لفترة وجيزة، إلى مستوى قياسي جديد تجاوز معه سعر البرميل 80 دولارا، فيما استبعدت الحكومة العودة إلى دعم الوقود الذي سبق إلغاؤه بسبب تكلفته الباهظة. رويترز

الأكثر قراءة