العمالة المنزلية وشبهات المتاجرة بالبشر! (2 من 2)
تحدثت في المقال الأول عن الهروب الجماعي للعمالة المنزلية لوجود من وما يشجع على الهروب، ومعاناة المواطن جراء البحث عن البديل، والتكاليف الباهظة التي تتبع ذلك، والتي لم يعد للمواطن العادي قدرة على تحملها! واليوم نستكمل الحديث عن بقية الجوانب السلبية للموضوع.
دور مكاتب الاستقدام
إن بعض مكاتب الاستقدام تسهم إسهاما فاعلا في حدوث الفوضى في سوق العمالة المنزلية، وذلك باحتضانها عمالة تكون هاربة من مستخدميها وتتكفل بتوفير العمل البديل لها، وهي في هذه الحالة تأخذ دور الوسيط الخفي، لعلمها بمخالفة ما تقوم به للأنظمة، فهي تكتفي بتدبير اللقاء بين السائق أو العاملة وطالب العمل، وعندما يتفقان تكتفي بأخذ نصيبها من الصفقة دون أن تلتزم بشيء!
والغريب أن مكاتب الاستقدام، التي يجب أن تكون بعيدة عن المخالفات، بما فيها التستر، وأن تكون بمثابة أذرعة لوزارة العمل في الالتزام بتطبيق الأنظمة، تقوم بانتهاك هذه الأنظمة، إذ يعتمد بعضها على الأجانب اعتمادا كليا، بدليل أن معظم من يرد عليك، ومن يقابلك هم من تلك الفئة، بل بلغ الأمر أن من يوقع أوراق المكتب هم عمالة لا يحسنون حتى اللغة العربية، ومعظم المواطنين يعانون جراء التعامل مع تلك المكاتب، وعدم وفائها بالتزاماتها في الاستقدام، والضمانات وتوفير البديل، ومن ثم فإنه ينبغي تصحيح الوضع للتخفيف من معاناة المواطن، وذلك بإصدار لوائح واضحة وملزمة بحقوق والتزامات الأطراف أصحاب العلاقة، المكتب والمواطن والعامل!.. هل تكوين الشركات هو الحل؟!
تدعو وزارة العمل إلى تكوين شركات أو اندماجات تتكون منها شركات بين مكاتب الاستقدام، ومكاتب الاستقدام تتردد في التجاوب لتخوفها من أن ينشأ عن ذلك فرض التزامات غير موجودة حاليا، أو أنها، أي المكاتب، تنعم حاليا بأفضل وضع، فالاستقدام يبلغ ذروته، ومداخيلها تزداد من كل حركة تقوم بها في هذا المجال ابتداء من استخراج التأشيرة، وتكاليف الاستقدام والتنازل ونقل الكفالة، ولا حاجة في نظرها إلى التغيير خوفا على هذه المداخيل!
وكانت وزارة العمل قد دعت قبل ذلك إلى انضواء مكاتب الاستقدام في شركة مساهمة عامة، ولم تجد التجاوب المقبول من المكاتب للأسباب التي أومأت إليها، ويجدر بنا هنا طرح تساؤل مفاده: هل الاستقدام يعد خدمة عامة دائمة لا يمكن تقليصها أو الاستغناء عنها في يوم من الأيام؟! حتى توجد لها شركات يكون همها الأول التوسع والإسهام في زيادة الاستقدام؟! وهمها الثاني تنمية الدخل والأرباح على حساب حاجة المواطن؟! لقد فهمنا أو أفهمنا سابقا أن الاستقدام هو حاجة مؤقتة ستتقلص مع ازدياد عدد أبنائنا المتعلمين وحلولهم محل العمالة المستقدمة، بيد أن المؤسف هو أن ما انتهينا إليه هو أن الاستقدام يزداد مع زيادة المتعلمين من أبنائنا الذين لا يكادون يجدون موضع قدم في سوق العمل إلا وقد احتله الأجانب! ألم يسبق أن صدرت قرارات استراتيجية عليا ألا تزيد العمالة الأجنبية عن نسبة 20 في المائة من السكان؟! وهل إصدارها كان للتنفيذ والالتزام، أم للتمني والأحلام؟! فكم هي النسبة التي يبلغها الأجانب إلى سكان المملكة الآن؟! المعروف أن عددهم يراوح حول الثمانية ملايين، عدا المتسللين والمتخلفين، وعليكم الحسبة!..
مقابل التنازل لا مبرر له
إن المقابل الذي يتقاضاه المواطن، ويشاركه فيه مكتب الاستقدام، للتنازل عن سائق أو عاملة، بعدما استغلهما في العمل عدة سنوات، والذي يتراوح بين 12 و14 ألف ريال، حسبما كشفت عنه جولتي بالهاتف على المكاتب، هو استغلال ومتاجرة وارتهان للعامل، إذ كيف يحق للكفيل أن يحصل على مقابل للتنازل إذا كانت مدة العقد الذي قدم العامل للعمل بموجبه، وهي سنتان في المعتاد قد انتهت، واستوفى الكفيل حقه منه بالعمل؟! وإذا كان الكفيل يحتج أنه دفع تكاليف الاستقدام فإن تلك التكاليف لا ينبغي أن تسترد بتلك الطريقة، خاصة أنه لم يجبره أحد على التنازل، والمفترض أن يحتفظ بالعامل، طالما بقيت الحاجة إليه قائمة، أو يعيده إلى بلده في حال زوال الحاجة، أو يتنازل عنه، لمن يحق له الاستقدام، دون مقابل، فيما عدا تحمل الطرف المتنازل له رسوم نقل الكفالة! ولكن، كما أشرت، فطالما أن المجال مفتوح للاكتساب والمتاجرة من وراء العمالة، ومكاتب الاستقدام شريك رئيس في ذلك، فسيبقى الوضع على ما هو عليه إلى أن تتنبه وزارة العمل، كما نؤمل، إلى هذا الوضع وتعلن عدم جواز تقاضي مقابل للتنازل، وأن الوضع الصحيح هو إعادة العامل من حيث أتى، أو التنازل عنه لمن يحق له الاستقدام أصلا، بشرط أن يتحمل هذا الأخير رسوم نقل الكفالة، مع عدم أحقية المتنازل في استقدام البديل!
الخاتمة
إن الوضع في غاية الفوضى والارتباك، وينطوي على الكثير من المحاذير والمخالفات وسألخص ذلك في عدة نقاط موجزة:
ـ صار هم السائق أو العاملة المنزلية هو تحين الفرصة للهروب، لعلمه بوجود من يتلقفه ويوفر له دخلا يصل إلى ضعف ما يحصل عليه، بغض النظر عن نوعية العمل الجديد.
ـ ليس هناك طريقة نظامية لتوفير العمالة المنزلية بصفة مؤقتة! وما يحصل فيه معاناة ومخالفات لا حصر لها.
ـ إن هناك استغلال للعمالة يحدث أمام الجهات المعنية، يصل إلى حد المتاجرة وانتهاك حقوق الإنسان!
ـ إن كثيرا من مكاتب الاستقدام يتهرب من التزاماته، فضلا عن إسهامه في تكريس الفوضى والمخالفات.
ـ إن الوضع القائم يلقي أعباء مضاعفة على الجهات الأمنية بسبب كثرة العمالة الهاربة، وازدياد الجرائم التي ترتكب بواسطتها!
والله من وراء القصد.