المستشفيات الحية
ماذا تقول عن رجل حينما هم بوضع استراتيجية طويلة الأمد قام بدراسة الشركات التي عاشت أكثر من 100 عام، ثم حلل نقاط التشابه التي تشترك فيها هذه الشركات العملاقة. بعد ذلك قام بدراسة سلوك نوع من أنواع الطيور التي لم تنقرض على الرغم من أنها عاشت منذ قديم العصور عن طريق بروفسور متخصص في سلوك الطيور من جامعة كاليفورنيا. كانت الأسئلة التي كان على بروفسور سلوك الطيور الإجابة عنها لماذا لم ينقرض هذا الطير؟ وما السلوكيات التي تمتع بها هذا الطير عن غيره من الطيور؟
بعد دراسة سلوك الطيور تم التوصل إلى صفات سلوكية محددة مكنت هذا الطير من أن يعيش أكثر من 100 سنة، تم تطبيق تلك السلوكيات في الشركة من أجل العيش والبقاء لفترة تزيد عن 100 عام. قد يكون هذا الكلام نظريا وغريبا بعض الشيء، فما علاقة سلوك الطيور بسلوك وبيئة العمل التجاري؟ لكن الواقع يقول إن الشركة فعلا عاشت أكثر من 100 سنة. وكونت لها بيئة عمل تتناسب مع طبيعة عملها المرتبط بالمتغيرات السياسية والاقتصادية والبيئية والجغرافية. ولعلك عزيزي القارئ أن تتساءل عمن تكون هذه الشركة؟
إنها شركة شل، هذا ما ذكره مؤلف كتاب الشركة الحيةThe Living Company ، ولعلي اقتبست عنوان هذا المقال من كتابه الجميل. فالكتاب تناول بطريقة منهجية كيف استطاعت شركة شل أن تجعل أحد أهدافها الاستراتيجية العيش لفترة طويلة؟ فالشركة يجب ألا يتم التعامل معها على أساس أنها آلة البيع Vending Machine التي تعتمد على وضع الريال من أجل الحصول على "بيبسي" أو دفع راتب من أجل الحصول على إنتاجية الموظف. بل إن العلاقة قد تمتد وتكون أقوى من ذلك بعد اعتبار بعدها الإنساني ومتطلبات الحياة للعاملين. فالشركة عبارة عن كائن بإمكانه العيش "بإذن الله" إذا حافظ على جسمه، واتبع الحمية المطلوبة، ومارس الرياضة وتوخى الحذر في الطريق.
ما يميز الكتاب إمكانية تطبيق مبادئه في المجال الصحي خصوصا أن المستشفيات من المجالات التي تتطلب استثمارا طويل الأمد، ولا يمكن الحكم عليها خلال خطط قصيرة المدى. فالمستشفيات تأخذ وقتا طويلا وخبرة طويلة من أجل الوصول إلى مرحلة النضوج في الخبرة والثبات في التنظيم.
أعود للحديث عن كتاب الشركة الحية الذي طبع في مطابع هارفرد وحقق في بداية عام 2000 الكتاب الأكثر مبيعا. فقد تحدث الكتاب بشكل مميز الفرق بين حرص الشركات في تحقيق الأرباح وبين حرصها على العيش والبقاء لفترة طويلة. فلا يعني تحقيق أرباح عالية أن الشركة حققت دعمت جذورها وثبتت نفسها.
فشركة شل استثمرت ودعمت العمل الجماعي وحرصت على الموارد البشرية المؤهلة ليس في الجيل القيادي الأول للشركة، بل في بناء قاعدة صلبة من القيادات المشتركة في الهموم والتطلعات والعمل الجماعي نفسه. هذا النوع من الاستثمار يعتبر "تكلفة" تقلل نسبة الأرباح في عرف المديرين الماليين وفي عرف معدي الميزانيات السنوية.
الشركة الحية والتي تبنتها شركة شل تعبر عن استراتيجية تضمن المنافسة والاستمرار في العمل كهدف أساسي للشركة بدلا من تغليب نظرة تحقيق الربحية وتقليل التكلفة التشغيلية كهدف أولي للمنافسة.
من الغريب أن بعض المؤسسات الصحية تستثمر في ابتعاث وتدريب الكوادر المؤهلة لكنها لا تستثمر في المقدر نفسه في كيفية المحافظة عليها، فضلا عن تستثمر في بناء قاعدة من الكوادر البشرية المؤهلة في شتى المجالات مستقبلا.
في القريب العاجل ستنعكس العولمة إيجابا في حرية تنقل الموارد البشرية المميزة خصوصا بعد فرض بعض القيود عليها. لذا فإن الوقت مناسب للحد من هروب الكوادر البشرية المميزة عن طريق تفهم احتياجها وتقديرها. أليس كذلك؟