مناطات الحكم

مناطات الحكم

حينما يقع النظر على مدلول كلمة "الفقه" فإن من أخص بناء هذه الكلمة إفادتها حسن الإدراك لأحكام الشريعة ومباني هذه الأحكام من حيث النصوص ودلالتها، ومن تمام هذه الشريعة وكمالها أن كل حكم له مناط مناسب، ويكون هذا المناط موجبا لتحصيل جملة الفروع تحته، ومن مقتضاه الاطراد والمناسبة لقواعد الشريعة ومقاصدها، وهذا يوجب على الفقيه أن يكون معتبرا لهذا في فقهه، وقد عنى الأصوليون برسم المناط وإضافاته من حيث التحقيق والتنقيح، وفي تطبيقات علماء القواعد مثالات في تعيين المناط والطرد تحته، سواء كان ذلك في أصول القواعد أو في تطبيقات الأحكام، فإن الاصطلاح فيه سعة.
والمقصود هنا جملة العناية بالوجهين حتى يكون التحصيل لأحكام الفروع متحصلا من حيث المناسبة التي جاء بها الشارع، من حيث مناسبة الأحكام للمكلفين من جهة معنى قول الله: ?لا يكلف الله نفسا إلا وسعها?. ومن حيث مناسبة الأحكام لمراد الشارع من حيث المعاني التي أرادها لتحصيل الأحكام سواء التكليفية أو الوضعية، كما يسميها علماء الأصول.
وفي الجملة فالأحكام الشرعية في سائر مواردها لا بد أن تعتبر بهذين، وهذا من المعنى الكلي المصدق لصحة الاجتهاد في تحقيق المناط أو تنقيحه، فإن كلام الشارع يراد بسائر دلائله المدركة عند أهل الخطاب، وإن كان تفصيل هذه الدلائل وما هو مقصود يحتج به وما ليس كذلك فيه تفصيل، وفي موارد منه خلاف مشهور من حيث المنطوق والمفهوم بأوصافه إلى غير ذلك، إلا أن المعنى هنا هو أن دلائل خطاب الشارع مقصودة، لكن يبقى صدق ثبوت كونها من دلائل الخطاب في البيان حتى يتعلق بها القصد، وهذا معنى فاضل في الترجيح، فإن هذا هو حقيقة النزاع في الأمر نفسه، ويبقى أن الفقيه وصاحب العلم عليه أن يحيط اجتهاده وفتواه بضبط مناطات أحكام الشريعة حتى يصيب الفقه على وجهه الشرعي، وبهذا وأمثاله امتاز فقه أوائل الفقهاء، لما تحصل عندهم من تعظيم للنصوص والإتباع مع فقه في المرادات والمعاني الموجبة للأحكام، وعن هذا صار فقهاء أهل الحديث على درجة من الامتياز في هذا كما هو فقه مالك، والشافعي، وأحمد، وما تمثل في فقه أبي حنيفة من حسن النظر في الفروع والطرد للمتماثلات، فهذا تمام، وهذا تمام، والفقه قصد الفضل في سائر موارده، والله الهادي.

الأكثر قراءة