الرعب والاطمئنان ومواجهة العنف

[email protected]

بقدر ما أصبنا بالرعب والذهول من المخطط الإرهابي الأخير وما كان يريد استهدافه, بقدر ما شعرنا بالأمان والاطمئنان حين حققت الأجهزة الأمنية بعملية استباقية نوعية كشف ذلك المخطط قبل وقوعه والقبض على عناصره قبل أن يشرعوا في تنفيذه. وهذا إنجاز أمني يحسب لأجهزتنا الأمنية وقياداتها الساهرة على أمن الوطن وحمايته من عبث العابثين بقيادة الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية ونائبه الأمير أحمد بن عبد العزيز والأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية, الذي يتحمل اليوم جزءا من مسؤولية حفظ الأمن خاصة مواجهة مخططات هذه الجماعات الضالة والمضللة وبجهد خارق لرجال الأمن, أعانهم الله جميعا, وقدرة أجهزتنا الأمنية وتوفيقها, بكشف هذه المخططات الجهنمية قبل وقوعها والقبض على عناصرها يعكس جاهزيتها المتميزة بما يؤكد أنها باتت واحدة من أفضل الأجهزة الأمنية على مستوى العالم.
على الرغم من النجاحات الأمنية السابقة والمتلاحقة في ضرب خلايا الإرهاب, فإن القبض على هذه الخلايا الإرهابية الجديدة وإفشال هذا المخطط الجهنمي بكشفه قبل أن يحدث, ولله الحمد, مؤشر بالغ الدلالة والخطورة لحقيقة لا بد أن نعيها بكل حس وطني, وهي أننا بلد مستهدف بشكل واضح وبإصرار من قبل جهات تبدو أنها منظمة وتلقى دعما خفيا لا تريد لبلدنا الاستقرار وتسعى إلى زعزعته وإشغاله لأهداف لا علاقة لها بالقطع لا بالجهاد ولا بالإسلام ولا حتى بمطلب الإصلاح, فمن هذه أهدافه لا يتآمر ويخطط في الظلام لتنفيذ عمليات تسفك الدماء وتدمر البناء وتريد ضرب مكونات البلد الاقتصادية والبشرية والأمنية, واستهداف بلدنا بهذا الشكل والقدر المتتابع يثير علامات استفهام عديدة تستتبع تساؤلات: لماذا هو مستهدف؟ وكيف؟ وعلى يد من؟ أما لماذا بلدنا مستهدف فلأنه يمثل مركز ثقل ووزنا دينيا وسياسيا واقتصاديا إقليميا ودوليا, ومحاولة ضرب أمنه واستقراره ستكون لها تداعيات إقليمية ودولية على الصعد كافة. فالمملكة دولة محورية يمثل استقرارها حاجة إقليمية ودولية, ولهذا يركز عليها من أجل إحداث أثر أكبر وأوسع بسبب كونها بلدا محوريا في المنطقة ومؤثرا عالميا, أيضا لكون المملكة بعقيدتها الدينية ومواقفها السياسية تمثل الوسطية مع تمسكها بثوابتها, وهذا أحد أهم أسباب استهدافها الدائم والمستمر, أما كيف, فلا بد أن نتحلى بالشفافية والموضوعية هنا, فالعقول السوداء التي تخطط وتجند وتمول تجد شبابا من هذا البلد كالثمرة التي أينعت ويمكن قطفها وتحويلها إلى مشروع تفجيري باسم الجهاد الديني وتحت ضغط استغلال حاجتهم المادية ومعاناتهم الحياتية التي هي مدخلها لتوظيف هؤلاء الشباب وتجنيدهم, فهم مهيأون بالإحباط الذي يعيشونه بسبب عجزهم عن توفير لقمة عيش لأن يسهل انقيادهم باستغلال الشعور الديني لديهم واستخدامه بطرق وأساليب خبيثة, ولنا في صغر أعمارهم وقلة خبرتهم وتجربتهم وتحريكهم من قبل عناصر أجنبية خير دليل على ذلك, أما عن طريق من, فالأمر غاية في الغموض, وهذا طبيعي, فالجهات التي تقف خلف هذه الخلايا والأعمال الإرهابية لا يمكن أن تظهر أو حتى تترك أي أثر لها, إلا أننا يمكن أن نقول إن الدعم اللوجستي ـ حسب التعبير العسكري ـ الذي تحصل عليه هذه الجماعات من سلاح وأموال وتحرك يؤكد أن الأمر أكبر وأبعد من كونه مجرد جماعات دينية تؤمن بفكرة الجهاد المسلح والعنف واستحلال دماء الأبرياء للوصول إلى الأعداء والطغاة, بناء على توصيفهم. فالمتابع للقدرات التي تتوافر لديهم يشك فعلا في أنها تدار من قبل ما يمكن تسميته "مؤسسة دولية للإرهاب" خفية تذكرنا بأساليب وطرق جماعات كالماسونية مثلا, والمؤسف حقا أن الإرهاب يجد حاضنا له من خلال الداخل أيضا أو لنقل سلبية في مواجهة هذا الفكر الضال سواء في المساجد أو مؤسسات التعليم بانتشار الفكر المتزمت والسماح له بممارسته علنا حين ينتقد وبحدة بعض الأمور على أنها خروج على الدين. فنحن لسنا بتلك الفاعلية في الجانب الفكري بما يحد من اتساع التزمت, فالمعالجة الأمنية هي جزء مهم في حماية بلدنا من هذه المخططات التي ترمي إلى زعزعة أمننا دون أدنى شك, إلا أن الجهد الأمني وحده لا يكفي, بل لا بد من جهد فكري يواكب الجهد الأمني, وهذا الجهد يجب أن يوجه لمعالجة التزمت والتطرف في الفكر الديني لأن هذين التزمت والتطرف يؤديان إلى الانغلاق الفكري الذي بدروه يقود إلى عدم تقبل النقاش والحوار, ومن هنا ينبع الفكر الذي يؤمن بالعنف. ولا بد أيضا من الاعتراف بأن هذا الفكر المتزمت والمتطرف يجد مساحة تسامح كبيرة لدينا, وهناك شيء من خوف من مواجهته ونقده.
أخلص من ذلك كله إلى أن مواجهة فكر التطرف لا تكون فقط بالعمل الأمني وحده, بل لا بد من جهد شامل وجماعي يبدأ من معالجة الأوضاع العامة للناس, خاصة الشباب, وفتح آفاق الأمل لهم في مستقبلهم كما حاضرهم, والعمل الجاد على ترسيخ الوسطية التي هي جوهر الدين الصحيح, إلا أن قولنا مهما كان بليغا لن يثمر في واقع لا يتوافق معه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي