رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


العمالة المنزلية وشبهات المتاجرة بالبشر!

لعل من حسن حظي أن أتيحت لي الفرصة خلال الفترة الماضية لتعزيز وتأكيد ما لدي من معلومات حول الممارسات التي تتم في محيط العمالة المنزلية, وذلك بسبب وفاة سائقي الخاص (وفاة طبيعية), وهروب البديل, واضطراري للدخول في عمق الممارسات التي تجري في هذا المجال, الأمر الذي أستطيع معه القول بقناعة, إن مجال تشغيل العمالة المنزلية, من عاملات وسائقين, تعمه الفوضى والاستغلال والعبث والتلاعب, بل التمرد على الأنظمة والعقود, وهو ما سأحاول توضيحه في هذا المقال, وما سيأتي بعده.
هروب جماعي للعمالة
ما يلاحظ هو الهروب المكثف والجماعي للسائقين والعاملات على حد سواء, خلال السنوات الأخيرة, فقلما توجد أسرة لم تشتك من هروب سائق أو عاملة, في وقت من الأوقات, والهروب غالبا يأتي بدوافع منها: إساءة المعاملة, أو البحث عن دخل أكثر, أو وجود من يشجع على الهروب ويوفر العمل البديل, إضافة إلى ضعف المتابعة من الجهات المعنية, بدليل ندرة من يعثر عليه من العمالة الهاربة وإعادتهم إلى كفلائهم. ومكمن الخطر الذي يأتي من العمالة الهاربة هو في ممارسة أعمال مخالفة, ومنافية للأخلاق, كصنع الممنوعات وترويجها والسرقة بأنواعها, والدعارة. ولعل ما ينشر في الصحف من أخبار عمن تقبض عليه الجهات الأمنية وتكتشفه من هذه الجرائم ينبئ عن المخاطر التي تهدد المجتمع, وغالبا ما يأتي الهروب من العمالة الجديدة قبل أن تتأقلم مع العمل, وبمجرد ما تختلط بنظرائها وتتعرف على الفرص الموجودة في البلد لزيادة دخلها, ومن ثم يكون الخاسر الأكبر الأسرة التي قدمت العمالة من أجلها, ودفعت من أجلها مبلغا كبيرا يبدأ برسوم التأشيرة ولا ينتهي إلا بصدور الإقامة.
معاناة البحث عن البديل
لا يوجد مجال للتعويض عن تأشيرة الاستقدام التي ذهبت مع العامل الهارب إلا بعد استنفاد الإجراءات المطلوبة والإبلاغ عنه, ثم انتظار عودته أو العثور عليه, وهو أمر قلما يحدث, ثم تسليم جواز سفره والتقدم بهذه الوثائق لطلب تأشيرة بديلة, بيد أن الأمر الأهم في الموضوع هو البحث عن بديل مؤقت يحل مشكلة الأسرة المتمثلة في الخدمة داخل منزلها, أو في إيصال أبنائها إلى مدارسهم, وهنا تكمن الفوضى والتلاعب, اللذان لا يكتشفهما إلا من أكرهته الظروف على قبول ما لا يقبل, إذ عليك أن تبدأ مشوار البحث أولا بسؤال سائقي الجيران عن البديل, وغالبا ما يدلونك, لأنهم أعضاء في شبكات محورها الهاتف الجوال تتفرع وتتعدد طبقا للجنسية التي ينتمون إليها. أو أن عليك الذهاب للبطحاء في الرياض, إذا كنت من سكانها, والاختلاط بأجناس وأكداس من العمالة لن ترى مثلهم سوى هناك, ويكفي وقوفك بينهم لتجد من يعرض عليك خدماته, أيا كانت هذه الخدمات. وهناك المصدر الثالث وهو مكاتب الاستقدام التي تسهم بشكل كبير في تكريس الفوضى والتمرد والهروب, بمساعدتها تلك العمالة بتوفير أعمال مؤقتة لهم, فهناك مكاتب, ولا أقول كل المكاتب, تحتضن العمالة الهاربة أو التي تنوي الهروب, وتبدي لها رغبتها في البحث عن عمل وتترك لها أرقام هواتفها, وعندما يحضر الزبون لاهثا في البحث عن سائق أو عاملة لحل مشكلته ولو مؤقتا يتصل المكتب بالسائق فيحضر, ويترك له مهمة التفاوض مع الزبون على المرتب والشروط, وغالبا يسأله السائق عن عدد أفراد أسرته, ومواقع المدارس ونوعية الطعام, مع اشتراط التمتع بالعطلة الأسبوعية. وعندما يصلان إلى اتفاق يكتفي المكتب بالمباركة والحصول على سعي "رسوم" "البيعة" التي لا تسترد, حتى لو هرب السائق من الغد، لصفقة لم يشهد منها المكتب سوى توفير اللقاء، فهو لا يريد أن يظهر في الصورة، أو يعطيك أي دليل على علاقته بالعملية لعلمه أن ما يجري كله مخالف للأنظمة، وحتى عندما تبدي له تخوفك من أن يقبض على السائق بسبب أنه يقود سيارتك وهو ليس تحت كفالتك، وأن النظام يقضي بأن يكون تحت كفالة مالك السيارة، أو معارا له بصفة رسمية، عندما تبدي له ذلك، يهزّ رأسه استغرابا من سذاجتك ويتمتم "البلد كله كذا".
وأما المصدر الرابع، خاصة للذين يريدون عمالة للتنازل فهو السماسرة وبعض مكاتب الاستقدام التي تملأ الصحف بإعلاناتها عن "خادمات للتنازل"، و"مطلوب خادمات" والشيء نفسه بالنسبة للسائقين، وتأخذك الدهشة من أن هذا يتم في صحفنا المحلية، التي ننفي من خلالها عبر بيانات رسمية، أي تهمة توجه لنا في مجال حقوق الإنسان أو الاتجار بالبشر، رغم أنك ستلاحظ أنه يوجد في الصحيفة ذاتها إعلان من مصدر واحد يطلب خادمات ويعرض خادمات للتنازل، الأمر الذي يعني المتاجرة بأم عينها، ... ، كما تأخذك الدهشة أكثر من أنه رغم أن قوانين الدولة تمنع إطلاق مسمى "خادمة" على العاملة المنزلية، فإنهم في تلك الإعلانات ينكرون قوانين الدولة نهارا جهارا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي