رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


دعوة للتعامل مع ميزانية وزارة الصحة بشكل أفضل

[email protected]

لقد كان العجز الذي يعتري ميزانية وزارة الصحة خصوصا بعد حرب الخليج الثانية جزءا من العجز الذي أصيبت به الميزانيات الحكومية عموما. فلقد كان التعامل مع الميزانية على أساس عدم قدرة ميزانية وزارة الصحة على تلبية معظم الاحتياجات الصحية. حينها كان الاعتماد المالي يتم من أجل تغطية بند الرواتب وجزء محدود من الاحتياجات الأساسية. ونظرا لمحدودية الميزانية الصحية وقتها، فقد كان لشكل أو لصورة الميزانية المستخدمة Budget Format أثر محدود في الاستفادة من المخصصات المالية. لذا لم يكن هناك جدل حول تأثير صورة الميزانية على كيفية الاستفادة منها. أما الآن وفي ظل وفرة المخصصات المالية لجميع القطاعات بما فيها القطاع الصحي، فإن تأثير صورة الميزانية المستخدمة حيوي في تحديد كيفية الاستفادة منها.
لقد درج كثير من الدول على استخدام صورة الميزانية Budget Format السهلة الإعداد والمرنة في كيفية التعامل معها. لذا درجت الحكومة منذ فترة طويلة على اعتماد إعداد الميزانية على أساس line items budget بمعنى اعتماد الميزانيات وفق الطلبات والاحتياجات أو مراجعة المدخلات input دون قياس المخرجات أو النتائج المتوقع تحقيقها عند اعتماد الميزانية. ولا شك أن سهولة التعامل مع الميزانيات وفق المدخلات كان السبب الرئيسي لأن تصبح الصيغة المعتمدة في كثير من الدول. لكن هذه الصيغة من الميزانيات لا تمكن صانع القرار من معرفة تأثير المدخلات في المخرجات بشكل دقيق ومحدد. كما أن هذه الصورة من الميزانيات تتعامل في حالة وجود عجز في الميزانية بصورة مرنة.
لكننا الآن ننعم بميزانيات رفاهية ووفرة وهي ميزانيات تحفزنا لمراجعة صورة الميزانية Budget Format حتى تحقق أهدافها بشكل أفضل. فالملاحظ أن مشاريع وزارة الصحة يتم التركيز فيها على عدد المستشفيات أو مراكز الرعاية الصحية المقرر إنشاؤها لكنها لا تركز على المخرجات المتوقعة من جراء تشييدها. فمثلا خطة وزارة الصحة لتشيد ألفي مركز صحي لا يعني بالضرورة أن هذه المراكز ستسهم في رفع مستوى الخدمات الصحية إلا إذا تم تزويدها بالكفاءات الطبية والتجهيزية والفنية اللازمة. فتشييد مراكز الرعاية ألأولية دون توافر الكادر الطبي والتمريضي والفني والإداري المؤهلة أو خلوها من التجهيزات الضرورية لا يعني أنها حققت الهدف الذي من أجله شيدت. فقياس إنتاجية مراكز الرعاية الأولية يجب ألا يكون بزيادة أعدادها أو عدد الزيارات ولكن بمخرجات تلك المراكز التي لن تتحقق دون قياس مدى جودة الخدمة المقدمة ودورها في تقليل قوائم الانتظار في المستشفيات الحكومية. للأسف أن صرف الميزانيات من أجل زيادة عدد المستشفيات يعد أكثر جاذبيه من تطوير مستوى الخدمات الصحية لكون الأول رقم ملموس Tangible Services بينما الخيار الثاني ليس له واقع ملموس. لذا نجد أن تطوير مستوى الخدمة قد لا يكون له رونق تشييد مزيد من المستشفيات. كما أن طريقة اعتماد الميزانية من قبل وزارة المالية يحفز وزارة الصحة لأن تركز على سياسة الإنشاء بدلا من التركيز على رفع الجودة الصحية. فزيارة المريض للمستشفى أو للمركز الصحي لا تعني بالضرورة أن المريض حقق الهدف الذي من أجله ذهب للمستشفى أو للمركز إذا لم يتلق الرعاية الصحية المطلوبة فضلا عن أن يصاب بمضاعفات سلبية لزيارته.
إن التعامل مع الاحتياجات الصحية خصوصا البرامج الصحية والمشاريع يتطلب وقتا للتنفيذ ومن ثم تحقيق الهدف الذي من أجلة أقرت. فمثلا لا بد أن تخصص ميزانية للإنشاء، ثم ميزانية للتجهيز، ثم ميزانية للتشغيل، وهكذا. فضعف الميزانية المرصودة للتشغيل، ينعكس سلبيا على الاعتماد السابق ومن ثم ضعف النتائج المتوقعة من المشروع إجمالا.
لذا فإنني أدعو وزارة المالية إلى تغيير الصورة التقليدية السابقة لصورة الميزانية line Items Budget وتبني صورة ميزانية البرامج Program Budget ولتكون البداية التنفيذ بميزانية وزارة الصحة. وحيث إن تنفيذ البرامج المعتمدة يأخذ وقتا قد يمتد إلى ثلاث سنوات، فإن اعتماد هذه النوع من الميزانيات يتطلب وفرة في الميزانية وشمولية عند اعتماد الميزانية المخصصة لكل مشروع. ولقد حققت هذه الصورة من الميزانيات نجاحات مذهلة عندما تم تطبيقها لدى بعض الولايات في الولايات المتحدة، خصوصا المدن والولايات الغنية. كما أن اعتماد الميزانية بطريقة البرامج Program Budget يتطلب جهدا كبيرا في إعدادها نظرا لاشتراطها تسجيل كل المخرجات المتوقعة من الميزانية قبل اعتمادها بالتفصيل. فمثلا إنشاء مركز للقلب يتطلب توضيح كل الأهداف والتوقعات من المركز بالتفصيل أثناء إعداد الميزانية.
ختاما إنني على إيمان تام أن اعتماد الميزانية الصحية بصيغة البرامج Program Budget يبرر الآليات التي في ضوئها اعتمدت مصروفات الميزانيات الصحية الضخمة. كما يجعل الرقابة على الصرف على الخدمات الصحية يتم وفق تحقيقها الأهداف التي من أجلها أقرت. كما أن هذا الصيغة ستساعد على رفع الجودة الصحية لكون الجودة غير مرئية في الصورة التقليدية للميزانية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي