رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


أزمة الائتمان العالمي: عرس وليس بمأتم للاستثمار الخليجي

[email protected]

في مقالتها التي نشرت في صحيفة "الفاينانشيال تايمز" يوم الجمعة 23/11/2007 بعنوان السيولة الخليجية توفر شيئا من الأمل للتخلص من أزمة الرهن العقاري الثانوية Gulf liquidity offers glimmer of hope for subprime relief، تذكر الكاتبة جيليان تيت عدة أسباب تقليدية تشمل وفرة الموارد المالية للدول الخليجية النفطية من جراء ارتفاع أسعار النفط وضرورة توظيفها لحل أزمة السيولة والائتمان التي تشكل كابوساً للاقتصادات الصناعية بتحويل الوفورات في اقتصادات معينة إلى سد ثغرات السيولة في اقتصادات أخرى. بيد أن الكاتبة تتحلى ببعض الموضوعية في ذكر معوقات استثمار الصناديق الخليجية الخاصة والسيادية في الدول الغربية وخصوصاً العوائق السياسية بجانب غرابة المنتجات الاستثمارية المتضررة للمستثمر الخليجي التقليدي وعدم مواءمتها الأهداف الاستثمارية وثقته غير الكاملة بالمنتجات المالية المهيكلة عموماً. وتخلص الكاتبة في مقالتها إلى نتيجة وتوقع مفاده توجه الاستثمارات الخليجية إلى القطاعات غير الحساسة سياسياً، وعلى وجه الخصوص القطاع المالي الأمريكي مستشهدةً بعدم وجود الممانعة السياسية الأمريكية لتملك شركة المملكة القابضة لأكبر حصة استثمارية في "سيتي جروب". وأعتقد أن خبر استثمار هيئة أبو ظبي للاستثمار "آديا" في مجموعة سيتي بنحو 7.5 مليار دولار في سندات قابلة للتحويل إلى أسهم تصل إلى حصة تبلغ 4.9 في المائة من المجموعة ضمن نطاق 31.83 إلى 37.24 دولار الذي أعلن عنه بعد المقالة بأربعة أيام هو ما ألمحت إليه الكاتبة أو من ضمن تنبؤاتها.
لا شك أن الوفورات المالية في دول الخليج والناتجة عن ارتفاع أسعار النفط تتطلع إلى قنوات استثمارية تحقق عائداً أعلى مصحوباً بمستوى مخاطرة منخفض، إلا أن قنوات الاستثمار المحلية في دول الخليج على الرغم من ضخامة مشاريع البنية التحتية فيها، فإنها لا تستطيع استيعاب الوفورات والعوائد النفطية، ما يجعل الاستثمار الدولي أمراً حتمياً وليس بخيار. لذلك، نجد أن البنوك العالمية تتجه إلى دول الخليج بتسابق ملحوظ بحثاً عن تمويل للسندات والصكوك أم لتمويل التملك الخاص والعام في الأشهر القليلة الماضية نظراً لتوافر السيولة ورأس المال الاستثماري مقارنة بانقباض سوق الائتمان العالمي، وبما يشير إلى الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج، وضمناً الاعتراف بتوقع استمرار ارتفاع أسعار النفط في الأعوام المقبلة.

عموماً، فإن توقعات الكاتبة جيليان للاستخدام الأمثل لعوائد النفط Petrodollars بتحويلها من الدول المصدرة إلى اقتصادات الدول المستهلكة للنفط بالاعتماد على حسابات العائد والمخاطرة للدول المصدرة للنفط ومصير استثماراتها هو من الأهمية بمكان، خصوصاً مع الأخذ في الحسبان مأزق تنويع الاقتصاد في دول الخليج وضرورة تنويع مصادر الدخل الوطنية على المديين المتوسط والطويل.
من نافلة القول، إن دول الخليج ليس لها يد أو أية علاقة بمأزق الائتمان والسيولة العالمية وتعثر المنتجات المهيكلة المرتبطة بالأزمة واختناق سوق الائتمان الذي تلا ذلك، وإن كان هنالك من يلام فهو نظام رقابة القروض الأمريكي الذي سمح بالتوسع في الإقراض لعملاء مشكوك في قدرتهم الائتمانية على الوفاء بتعهداتهم كما تلام المؤسسات المالية التي قبلت بتسنيد وهيكلة القروض وتملكها كمنتجات مالية استثمارية دون التمحيص في الأصول الحقيقية التي تدعم جودة تقييمها.
لذلك، فدول الخليج المستفيدة من ارتفاع أسعار النفط الذي يشكل الدخل الرئيسي وشبه الوحيد لها بما يثبت فشل التنويع والتخطيط الاقتصادي لدى أغلبها، ليس بيدها أن تعوض خسائر الدول الغربية الناجمة عن سوء إدارة وإقراض متهور أديا إلى أزمة الائتمان والسيولة الحالية. كما أن من واجبها أن تتفادى استغفالها لتتحمل ضحايا أزمة الائتمان كالتدخل لإنقاذ مصرف نورثرن روك البريطاني دون استراتيجية استثمارية واضحة تضمن العائد على حقوق المساهمين أو العائد على الصناديق السيادية التي هي من حق الأجيال المقبلة أولاً وأخيراً. ومن هنا أقول، إن أزمة الائتمان والسيولة تعود إلى مسببات داخلية بحتة في الدول الغربية يجب معالجتها داخلياً دون إلقاء اللوم على جهات أخرى ليس لها في الأزمة لا ناقة ولا جمل، وليس من واجبها, بالتأكيد, تسديد فواتير الإهمال التنظيمي والرقابي لمؤسسات الإقراض في هذه الدول الصناعية!
فالسؤال، لماذا لم تذكر الكاتبة دور صناديق روسيا أو الصين لسد الثغرات وإنقاذ بعض المؤسسات المتعثرة من جراء أزمة الائتمان، أم لأنهم ليسوا من مستثمري الفزعة مقارنة بالصناديق والمحافظ الخليجية الرسمية وشبه الرسمية؟ إن دول الخليج النفطية وصناديقها الاستثمارية، أيها السادة، يجب ألا تكون جمعيات خيرية لاقتصادات العالم الصناعي دون وجود مردود اقتصادي ملموس بلغة الأعمال يضمن حقوق المستفيدين وإن كانوا من الأجيال المقبلة التي لم تر النور بعد!
كما أن محاولات تحميل الأعباء الاقتصادية العالمية على الدول المصدرة للنفط عوضاً عن تحمل تبعات السياسات الاقتصادية المحلية تدل على غياب النظرة الاستراتيجية لمستقبل القنوات الاستثمارية والتشغيلية. فمشكلة الائتمان والسيولة العالمية تشير ـ دون أدنى شك ـ إلى أن ضغوطات الائتمان مصدرها الرئيسي هو البحث عن الخيارات التمويلية المختلفة مع تراجع الإقبال عليها بعد أزمة بعض المنتجات المرتبطة بالرهن العقاري بما فيها رفع رأس المال بالطرح العام، الطرح الخاص، أم إصدار السندات أو الصكوك لتوفير رأس المال. لذلك، فتحقيق التوازن بين الدول النفطية المتمتعة بفائض السيولة والدول الصناعية التي تعاني أزمة الائتمان والسيولة يأتي من فتح أبواب الاستثمار والتملك الخاص والاستحواذ للصناديق الخاصة والسيادية الخليجية في الأسواق الغربية دون محاولات الإخلال بقوى السوق عبر قناة الترهيب من الأهداف السياسية التي قد تدفع الصناديق الخليجية إلى الاستثمار. فالسؤال، لماذا لا تثار هذه الأسئلة عن الأهداف السياسية لصناديق الاستثمار السنغافورية والنرويجية، أو حتى الروسية والصينية في الوقت الراهن بالدرجة نفسها التي تثار ضد الصناديق الخليجية؟

ختاماً، يجب أن تركز صناديق ومحافظ الاستثمار الخليجية على العائد الاقتصادي والمالي أولاً وأخيراً في ظل أزمة السيولة والائتمان العالمية حالياً بالتسوق بحثاً عن أسهم القيمة والنمو المتضررة من الأخطار النظامية للسوق لا أخطار الشركات بعينها. وأضيف أن من الواجب استغلال أزمة الائتمان والسيولة العالمية لفرض الشروط وطلب المعاملة التفضيلية في التعاملات الاستثمارية والمصرفية، حيث إن جفاف سوق التمويل التي كانت تغذي صناديق التملك الخاص وصناديق التحوط في السنوات الماضية يسمح للمحافظ الاستثمارية الخليجية بسيولتها الفائضة التي يوقفها سد القرار الاستثماري فقط بأن تفرض قواعد اللعبة على الآخرين، فالظروف الاقتصادية الآن ليست كالسابق وقد لا تتكرر في القريب العاجل، فأين من يستغل الفرص لتحقيق العوائد المعقولة للأجيال المقبلة؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي