اقتصاديات داء السكري وبرامج المكافحة
في ختام تغطية أوراق مؤتمر اقتصاديات الصحة الأخير لفتت انتباهي ورقة تحدثت عن تناقض كبير هو علميا ونظريا مقبول, ولكن عمليا بعيد جدا عن إمكانية التطبيق على نطاق متوسط أو كبير. لقد أوصى الدكتور Michael Engelgau أحد إخصائيي التنمية البشرية لجنوب آسيا في البنك الدولي بأن الاستراتيجية البديلة أن نبدأ وضع أولويات جديدة كأن نتخير الجهود التي تعود علينا بعائد كبير قياسا بحجم الإجراءات التي نتدخل بها في الوقاية والعلاج, وتكون منخفضة التكاليف. من أجل ذلك كان تساؤلي "كيف تحقق أفضل النتائج بأقل التكاليف على مدى قصير وفي مساحة كبيرة وتنوع ثقافي متعدد؟". نحن إذا أردنا حلولا لابد أن تنبع حلولنا من المنطقة مسترشدين "لا بأس" بتجارب الآخرين ولكن لا نسلّم بها فلابد أن تُعجن في مجتمعنا الذي ستنفذ فيه لتفادي الوقوع في عيوب وإخفاقات قد تكون مكلفة جدا. في المقابل أراحنا كثيرا باستراتيجيته الدكتور Kaushik Ramaiya نائب رئيس الاتحاد الدولي للسكري عندما أشار إلى أنها يجب أن تبنى على هدفين رئيسين هما: الوقاية من الأمراض المزمنة, وتحسين نوعية الحياة بتقليص الإصابة بالمرض ووقف نزيف الوفيات بالإصابة به, ولكن لابد أن تخضع للبحث والدراسة للتمعن في كيفية التطبيق وجميع أطراف القضية يعون تماما الحدود والمحاذير والسلبيات والإيجابيات. وأكد ذلك البروفيسور Martin Silink رئيس هيئة التحالف الدولي لمرض السكري بقوله إنه مع وجود 200 منظمة محلية متخصصة في 162 دولة حول العالم تتابع تطورات هذا المرض على مستوى الانتشار والتكاليف والتطور العلمي في مكافحته إلا أن الجهود بعيدة عن أن تكون مقنعة والأدلة ماثلة في تسجيل تزايد أعداد الإصابات والوفيات سنويا. من ناحية أخرى نوهت الدكتورة Sylvia Robles إلى موضوع في غاية الأهمية وهو التكامل بين السياسة العامة والسياسة الصحية للفرد وخياراته وكيف أن لكل إجراء علاقة مع الآخر. وهنا يبرز سؤال مهم : هل نتائج وتوصيات المؤتمر ستحقق تقدما كبيرا في هذا الجانب؟.
من وجهة نظري إذا ما أريد للموضوع أن يُحتوى فلابد من أن تعزز الأنظمة الصحية في منطقة الخليج بالاعتماد على معلومات حقيقية وكاملة للاستفادة منها بشكل يصل بنا لعمق المشكلة, ثم استعراض وتقييم التجارب والمنجزات لبناء تصور متطور دائما يمكن الاستفادة منه، ومن ثم تكامل العمل بين جميع القطاعات المختلفة العامة منها والخاصة. ولابد من تقسيم الأعمال وتحديد المسؤوليات وتحديد مدد زمنية للمراجعة والمحاسبة لأن الذي يُهدر هو مقدرات الأوطان ومداد الشعوب وحياة الإنسان. هذا يؤكد حاجتنا إلى أكثر من مؤتمر وتجمع علمي وتثقيفي وتدريبي ولكن قبل ذلك من المهم أن تكون الجهود متكاملة وذات أهداف وأدوار محددة لكل جهة لها دور في مكافحة المرض. قد يكون ملخص الحديث هو تنفيذ ما تم الاتفاق عليه خليجيا, ولكن نحن نحتاج إلى مراجعة النقاط التالية:
(1) تحديد أكبر تحد يواجه صناع القرار في جملة الحلول الموضوعة لتقديمه في قائمة المكافحة والعلاج.
(2) مع أن تناول قضايانا بالبحث والدراسة أمر يدعو للتفاؤل ولكن أتمنى ألا تقل الميزانية المقترحة للبحوث عن (خمسة إلى عشرة ملايين ريال) سنويا تخصص من كل دولة لأن الآمال معقودة على أن يُقضى على أكثر من 25 في المائة من عبء هذا المرض خلال السنوات العشر المقبلة ولكن المواضيع البحثية بدأت تأخذ مسارات مختلفة في العلاقات الممكن ربطها بين المرض والتكاليف المترتبة على الوقاية والعلاج, وليتنا في هذا الصدد نمد جسورا علمية وعملية بين الأطباء والاقتصاديين للبحث في أي علاقات جديدة يمكن أن تنشأ بين الممارسات والأعمال اليومية والإصابة بالمرض والتكاليف المترتبة على ذلك.
(3) وبالطبع هناك حاجة إلى سد الفجوة بين الحاجة وحجم التمويل المتاح أو المطلوب للمكافحة, فعلى سبيل المثال لابد من تكثيف الدراسات وإقامة ورش عمل وإلقاء محاضرات عملية ونظرية يليها توزيع المطويات وبث البرامج التثقيفية إذاعيا وتلفزيونياً وفي كل القنوات الخليجية الرئيسة وعلى مدار العام.
(4) من واقع الجلسة الختامية أكاد أرى المفارقة والازدواجية في تأسيس مجلس أعلى لمكافحة المرض في كل دولة ولدينا على سبيل المثال مجلس للخدمات الصحية في المملكة وهيئة للغذاء والدواء هذا عدا جمعية للسكر ومراكز في كثير من المناطق... إلخ. فما قام به مستشفى قوى الأمن أخيرا ما هو إلا استمرار للمسيرة إلا أنه يفضل أن تكون كل الجهود تحت مظلة مجلس الخدمات الصحية أو المجلس الوطني الأعلى كما أشير إلى ضرورة تأسيسه في كل دولة.
(5) ما لم يذكر باستفاضة في الورق وكثف الحديث عنه في الجلسات كبناء الأندية الرياضية الترفيهية ومضامير المشي والمسابح والاهتمام بالرياضة في المدارس لترغيب الأسر في التوجه نحو تغيير نمط حياتهم المعيشية, أصبح من الضروري تبنيه كتوصيات تحتاج إلى تفعيل لأهميتها الحيوية في تنفيذ برامج المكافحة.
(6) نحن في حاجة إلى تكاتف هيئة الغذاء والدواء مع وزارات التربية والتعليم, التعليم العالي, الصحة, الشؤون البلدية والقروية لبناء مجتمع يتعود على انتقاء غذائه مما يفيده ويقيه لا أن يضره فيُميته!!. فهناك تغذية في المؤسسات التعليمية بجميع مستوياتها, كما أن هناك بوفيهات منتشرة بطريقة عشوائية ولابد من البت في شأنها.
(7) أما التقييم المستمر فنحتاج إلى تنفيذه وإصدار التقارير الدورية عنه بنوعية حديثة وتقنية متطورة وجودة عالية.
نسأل الله أن يكون التفاعل على مستوى الحدث من المريض إلى المسؤول فأيام السنوات العشر المقبلة قصيرة جدا والأجندة المطلوب تنفيذها ضخمة جدا, والله المستعان.