لماذا تفشل المشاريع الصغيرة؟
"للتقبيل لعدم التفرغ" أصبحت من العبارات الدارجة بشكل طبيعي خلال سيرنا في جميع شوارعنا، لدرجة أنني أصبحت أستغرب إذا مررت بأحد الشوارع ووجدته مكتمل النصاب من دون تقبيل. ونحن جميعا نرى في أحيائنا الكثير من النشاطات المختلفة التي تتعاقب على محل واحد في البناء التجاري المجاور لمنازلنا. فتارة نجدها مواد غذائية وتارة خضراوات وفواكه وتارة سباكة وغيرها في المكان نفسه.
وحيث إني لديّ قناعة بأن مدينة الرياض لديها أكبر عدد من المحال التجارية مقارنة بعدد السكان على مستوى العالم، فإن نسبة إغلاق تلك المحال أو تغيير نشاطها تعد عادة سنوية ومشاهدات أصبحت طبيعية مع أنها - من وجهة نظري الشخصية - تستحق المتابعة والاهتمام. ومصدر اهتمامي يكمن في آليات عمل وإغلاق تلك المحال التجارية أو تغيير ملكيتها وما يتبع ذلك من تابعيات على مستوى الاقتصاد الجزئي وعلى مستوى نمو قطاع الأعمال.
ولذلك فإنه بالتركيز على نوعية المحال التي تغير نشاطها أو تجد تلك اللافتة المعتادة "للتقبيل لعدم التفرغ"، فتجد أن أغلب تلك المحال هي إما أن تكون حرفية وإما مبيعات تجزئة تحتاج إلى متابعة لحظية. ولذلك، فإن طبيعة الأعمال التي تخرج من مسيرة العمل التجاري تكون لها مبرراتها، وحين نقول مبرراتها فإننا نعني أن هناك أسباباً أخرى لا علاقة لها مباشرة بمستوى المنافسة الجغرافية أو التجارية.
إن عدم تفرغ أصحاب الأعمال لإدارة أعمالهم بصفة شخصية هو السبب الرئيس لفشل الكثير من المشاريع التجارية، فغالبية المحال التجارية مملوكة لأشخاص يعملون في وظائف حكومية أو أهلية، لذلك فإن اعتمادهم على العمالة غير المراقبة يجعل من استمرار العمل التجاري مسألة في غاية الصعوبة ويحتاج إلى ظروف خاصة جداً لضمان استمراره، ولذلك فإنها تغلق خلال سنتها الأولى ويتم بيعها لمغامر جديد يحلم بأن يكون رجل أعمال بعد التقاعد. من ناحية أخرى، فإن بعض المشاريع التي تستمر لفترات أطول من سنة فإنها غالباً مشاريع تديرها العمالة بطريقة الإيجار المنتهي بالتقبيل. حيث يقوم أكثر المغامرين بتأجير المشروع التجاري إلى عمالة تملك ميزة تنافسية كونها تقلل التكاليف المترتبة على الرواتب ويكون العائد على الاستثمار أعلى بكثير منه للمواطن. فالعامل يحتسب العائد على الاستثمار بعملة بلده وليس بالريال.
ولعلي أستعرض بعض الأسباب الأخرى التي تتسبب في دوران رأس المال في الاقتصاد بشكل أقل نضجا وأقل فائدة: سوء الإدارة والتخطيط، وهي - في نظري - المظلة لجميع المشكلات التي تتسبب في إفلاس الكثير من المشاريع الصغيرة. وسوء الإدارة والتخطيط يعني عدم دراسة المشروع بشكل يقلل، بعد توفيق الله، من المشكلات التي تواجه العمل، فدراسة رأس المال والاحتياجات المالية للمشروع هي من أهم القضايا التي تنهي المشروع التجاري. فالمغامر التجاري غالبا يستند إلى أرضية هشة ماليا، فبمجرد حدوث ركود في القطاع الذي يعمل فيه فإن ذلك يتسبب في تراكم الديون ومن ثم قرار الخروج بأقل الخسائر. وهذا يقودني إلى طرح العشوائية في إقامة المشاريع المقلدة وغير المدروسة مما يعني دخول بعض من دون خبرة أو تجربة تجارية، والأهم من دون صبر تجاري.
ختاما، إن الأسباب الأخرى لا تقل أهمية عمّا ذكرنا، وهي - بلا شك - تمثل أهمية بالغة عند تقييمنا عمل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ومازلت أجد أن الأمثلة التي نراها على أرض الواقع لبعض الصناديق كصندوق المئوية، وبرامج المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الغرف التجارية وغيرها يمكن أن تكون طريق نجاة لتقليل الآثار السلبية التي يخلفها مثل هذا الدوران المفرغ للمحال التجارية والمشاريع الصغيرة على الاقتصاد والمجتمع.