"اليقين لا يزول بالشك"

"اليقين لا يزول بالشك"

ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: شكي إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتا, أو يجد ريحا).
وعند قراءة هذه الجملة من كلام صاحب الرسالة ترى فيها قصدا إلى صرف المكلف عما قد يعتري النفس البشرية من الظنون العارضة التي لا دليل عليها، ومن ثمَّ أخذ كثير ممن تكلم في مقاصد الشريعة وقواعدها من هذا الحديث وأمثاله قاعدة كلية، وهي ما اصطلح بالتعبير عنه بقولهم: (اليقين لا يزول بالشك)، وترى أن هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه، حتى قيل إن المسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه، ومن هنا فإن كثيرا ممن تكلم في هذه القاعدة ينحو إلى الإطالة في ضرب الأمثلة والفروع الفقهية لها، وهذا في الجملة قدر فاضل من النظر.
ولكن مما ينبه إليه أن هذه القاعدة كما تكون في تطبيقات الفقه الفرعية ينبغي أن يقصد إلى الاعتناء بها في التطبيقات العملية السلوكية بين الناس، فمن فاضل الفقه في هذا المقام العناية بالبقاء على الأصل المستقر الذي قضى به الشارع في حق الأعيان أو الأحوال الخاصة أو العامة حتى يعلم ارتفاع هذا الأصل، فلا يجاوز بطرف من الظن، ومن حقق هذا المعنى استقر له مقام الشهادة بالحق والعلم، وصار على استجابة لأمر الله في قوله: ?ولا تقف ما ليس لك به علم?، فإن أطراف الظنون الواهمة لم تكن منهجا لأهل الإيمان في الحكم والشهادة، وترى في قول الله عمن خالف الرسل: ?إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس، ولقد جاءهم من ربهم الهدى? والهدى هو منهج صاحب الرسالة الذي تضمنت شريعته تعظيم مقام العلم في الحكم والشهادة، وألا يزاحم بأوهام العقل والنفس التي يتولد عنها مقام الجهل والظلم، وهما طبيعة كامنة في الإنسان تسقطان مقام أمانته التي ذكرها الله بمقام الشرف في قوله: ?إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا?، والله الهادي.

الأكثر قراءة