سلوك المحامين ... يدعم المهنة بالضرورة

غريب أن يقف محام أمام القضاء ثم لا يعرف حقوقه وحقوق موكله, فهذا الجهل بالأنظمة والتطاول على مجلس القضاء ليس في صالح المهنة وليس في صالح سمعة المحامين وما يفترض أن يقوم به أي محام بل ما يقوم به كل من يقف أمام القضاء أن يحترم هذه المؤسسة المستقلة والمحايدة والتي هي ضمانة للحقوق ومكان للإفصاح عن الرأي الشرعي أو النظامي الذي يعزز موقف المدعي أو موكله، وهذا العمل لا يحتاج إلى افتعال أزمة بين المحامي والقضاء بقدر ما يحتاج إلى الالتزام بأخلاق المسلم المهذب، والمحامي المتمكن الذي يوصل رأيه بالأدلة والبراهين، ثم بعد ذلك هناك قضاء أعلى وتمييز وفرصة أخرى لتصحيح الحكم إن شابه قصور أو خطأ في التسبيب والاستدلال، وهنا تكمن المهارة التي إن حاد عنها المحامي فإنه يثبت للآخرين عدم مقدرته العلمية وعدم اتباعه الإجراءات النظامية المعتبرة لدى المحاكم.
إن المحاماة كمهنة لديها فرصة لكي تأخذ مكانتها بين المهن الحرة، ولأنها يجب أن تكون في مساعدة القضاء بحكم أن المحامي من أعوان القاضي وليس من خصومه فإن ما يجب على المحامين في هذه المرحلة التي تتكون فيها القناعة بدور المحامي أن يتوخوا الحذر في جميع أعمالهم التي يتوكلون فيها أمام القضاء، ذلك أن من حق المحامي أن يعمل ويكسب من ممارسة المهنة، ولكن ليست كل قضية تصلح أن تكون عملا أمام القضاء، فما تم الحكم فيه بحكم قطعي أصبح في حكم الأمر المقضي به، وهنا يتحصن الحكم ضد كل طرق الطعن عدا الحالات الاستثنائية التي يملكها ولي الأمر، وهي إن تم السماح بها فإنها تضيف عبئا على القضاة وعلى المحكمة، وتفتح باب المرافعة والدراسة، ولأنها كذلك فإن من يلجأ إلى استخدام هذا الطريق في الطعن في الحكم يجب أن يكون على حق في أن هناك خطأ شاب الحكم يتطلب تصحيحه من أعلى جهة قضائية.
إن قضية (فتاة القطيف) درس لك محام يمارس الدفاع عن قضية منتهية وسبق الحكم فيها، فمثل هذه القضايا تعطي الانطباع بأن المحامي يحرض الخصوم على عدم القبول بالأحكام النهائية حتى وإن أعلنوا وعبروا عن قبولهم وقناعتهم بالحكم الصادر من المحكمة، ثم حث الخصوم على اللجوء إلى المقام السامي بطلب إعادة النظر في الحكم النهائي. ولعل مثل هذه الممارسة ليست دليلا على أن هذا السلوك الذي يمارسه بعض المحامين يعتبر مقبولا ومألوفا لدى جميع المحامين أو معظهم فوزارة العدل ومن خلال إدارة المحامين لها اطلاع شامل على أوضاع المهنة، وتلك الحاجة الماسة لدى كل من له حق يحتاج فيه إلى اللجوء إلى القضاء الاستعانة بمحام يستطيع أن يوصل وجهة نظره ويقدم طلباته وفق المنهج الشرعي والنظامي، ويعرض أدلته ومستنداته بروية وهدوء يجعل من المحكمة تنصت إليه وتتقبل ما يقول، فالقضاء قبل كل شيء قناعة من القاضي بحق أحد الطرفين يحق له يكون محلا للحكم القضائي، ولن يستطيع أحد إقناع أحد إلا بالحجة والبرهان والمنطق السليم.
ومن المؤكد أن وزارة العدل والمحاكم بجميع درجاتها ومختلف مواقعها تقدر مهنة المحاماة وتعطي للمحامين مكانتهم اللائقة بهم وبمهنتهم، رغم ما يمكن أن يحدث من أخطاء إن صدرت من البعض فإنها مرفوضة من النظام والغالبية الساحقة من المحامين الذين يقفون موقف الاستغراب تجاه مثل هذه التصرفات في ظل الدعم الذي تلقاه المهنة من جميع الجهات الرسمية والقضائية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي