رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الملك عبد الله و"أوبك" والبحث العلمي

[email protected]

خلال الفترة من 7 إلى 8/11/1428هـ استضافت العاصمة الرياض اجتماع القمة الثالث للدول المصدرة للنفط "أوبك" برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز, وإذا علمنا أن نشأة هذه المنظمة قبل 40 سنة, يتساءل المرء عن قلة اجتماعات القمة لهذه المنظمة الرائدة والمهمة على مستوى العالم بأجمعه نظراً لأهمية السلعة التي تنتجها الدول الـ 13 المكونة لها. إن الظروف الاقتصادية والسياسية التي مرت بها الدول المشكلة للمنظمة والضغوط التي مورست على دولها ورجالاتها الذين أسهموا في تأسيسها تكشف عن روح العداء الذي تكنه بعض الدول لهذه المنظمة كتجمع اقتصادي هدفه توفير الطاقة لكل دول العالم مع المحافظة على المصالح الوطنية لكل دولة من الدول الأعضاء. ولا شك أن فلسفة العمل الجماعي في مثل هذا الأمر فلسفة رائدة يمكن من خلالها مواجهة الضغوط, والتحديات, وذلك من خلال التنسيق والتشاور, وتبادل الخبرات, لكن الدول المستهلكة, وبالذات الولايات المتحدة لا يحلو لها العمل الجماعي, بل تريد التفرد بالدول المنتجة واحدة واحدة بهدف استغلال هذه الثروة المهمة بأرخص الأسعار, وكما كان يحدث في الماضي حين كان برميل البترول ولفترة طويلة يباع بنصف دولار, وهذا ما وفر لأمريكا أموالاً طائلة ومكاسب اقتصادية ضخمة مكنها من بناء شبكة طرقها, وإدارة مصانعها بطاقة رخيصة, ومع كثرة الطلب على النفط من أطراف متعددة بدأت الأسعار في الزيادة, وهذا يتعارض مع مصالح أمريكا ومعها الدول الأوروبية, لأنها ترغب في استمرار تدفق البترول بأسعاره الزهيدة التي كانت تحصل عليه بها. وكانت هناك محاولات كثيرة لإضعاف "أوبك" من خلال الضغط الانفرادي على دولها وتهديدها بأشكال متعددة من التهديد, كل دولة حسب ظروفها, وتحركت أمريكا ومعها أوروبا وفرضت ضريبة الكربون على سلعة النفط, وكأن النفط هو المتسبب الوحيد في مشكلة الكربون, وتناست هذه الدول الأضرار التي تحدثها مصانعها العملاقة في البيئة وما تنتجه مصانعها من غازات مدمرة لحياة الإنسان, والحيوان والنبات. وزاد الضغط على دول "أوبك" بهدف إفشال هذا التجمع وإدخال دولها في دائرة التنافس البيئي لإضعافها والتعامل بصورة منفردة عملاً ببيت الشعر القائل:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً
وإذا افترقن تكسرت أحادا
لقد سعت الدول المنتجة في "أوبك" ومعها الدول الأخرى خارج "أوبك" إلى توفير احتياجات السوق وبأكثر من الاحتياج في كثير من الأحيان بهدف تقديم سلعة رخيصة لكن الجشع الرأسمالي لا يرضى إلا بسلعة بخسة الثمن, وكأن الدول المستهلكة في هذا التصرف تنسى أو تتناسى قاعدة العرض والطلب التي تحكم جميع السلع مهما كانت أهميتها, ومن بينها النفط, كما أن تجمع "أوبك" ليس الأول ولن يكون الأخير, إذ توجد تجمعات اقتصادية وسياسية, فدول الاتحاد الأوروبي تجمع بينها شراكة اقتصادية وسياسية, ودول الآسيان يجمع بينها شراكة وتنسيق اقتصادي, كما أن أمريكا التي تناصب "أوبك" العداء يجمع بينها وبين الدول الصناعية الكبرى شراكة ما يسمى مجموعة الدول الصناعية الثماني, كما أن أمريكا يوجد اتحاد تجاري بينها وبين كندا والمكسيك, لكن القذى يرى في عيون الآخرين ولا يرى في العين التي ترى, فهل هذه التجمعات مقبولة وتجمع "أوبك" مشبوه ومرفوض؟ ما أعلنه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله في كلمته التي ألقاها أمام زعماء "أوبك" من رصد المملكة 300 مليون دولار بهدف إجراء البحوث والدراسات بشأن الطاقة, والبيئة والتغير المناخي يثبت وبصورة جلية الوجه الإنساني لمنظومة دول "أوبك", وحرصها على الإنسان أينما كان هذا الإنسان, وحري بنا في الجامعات ومراكز البحث العلمي في المملكة وغيرها من دول الخليج, والعالم العربي, والإسلامي أن نستغل هذه الفرصة, حيث أسهمت كل من الإمارات, الكويت, وقطر بما مجموعه 450 مليون دولار ليبلغ المبلغ الإجمالي 750 مليون دولار. هل من الممكن أن نعمل نحن في الجامعات, ومؤسسات, ومراكز البحث العلمي الأبحاث والدراسات في مجال الطاقة بشكل عام وليس في طاقة النفط فقط, بل في طاقة الماء والطاقة الشمسية, وطاقة الرياح؟ إنه لا تعارض بين أن نكون رواداً في طاقة النفط إنتاجاً وغيرها من أنواع الطاقة الأخرى, فما الذي يمنع من أن نكون رواداً في الطاقة الشمسية, أو طاقة الرياح, أو غيرها, وننتجها ونصدرها للآخرين مستقبلاً ونقدم خبراتنا فيها؟ وكذا الأمر بالنسبة للبيئة, فبيئتنا في حاجة إلى دراسة وبحوث ودراسات بهدف تنميتها, والاهتمام بها, كما أن التغيرات المناخية لسنا بمعزل عنها ولا بد من تضافر الجهود للإسهام بصورة واضحة ببحوث ودراسات تمكننا من تقديم خبراتنا في هذا الشأن, إضافة إلى اكتساب خبرات جديدة. إن هذا التوجه الجديد لـ "أوبك" سيحفز جامعات ومراكز أبحاث عالمية لإجراء هذه الدراسات والبحوث, وعلينا أن نكون في جامعاتنا ومراكز أبحاثنا على مستوى التحدي والمنافسة, وأقترح في هذا الشأن أن يكون هناك تكامل وتنسيق بين الجامعات السعودية وبين جامعات دول الخليج, إضافة إلى جامعات دول "أوبك" وجامعات العالم العربي والإسلامي.
لو تفحصنا في جامعاتنا لوجدنا فيها كل التخصصات والكثير من الكفاءات, وما علينا إلا الثقة بهذه الكفاءات, وإعطاءها الفرصة لإثبات ذاتها وإخراج مخزونها المعرفي. ففي المملكة توجد جامعات تحوي كل التخصصات, كما توجد جهات أخرى خارج الجامعات لها اهتمامات بحثية, وأقترح ألا تقتصر البحوث على الجانب المادي من الطاقة أو البيئة أو التغيرات المناخية, فالجانب الإنساني بسلوكه وقيمه وثقافته, له دور بارز وله علاقة وثيقة بهذه الأمور, فالتسويق والإدارة, والتفاوض وحسن التعامل مع البيئة هي في الأساس معرفة وقيم واتجاهات ومهارات وسلوك.
لا تقطعوا أخضر ولا تحرقوا يابساً, لا تسرف ولو كنت على نهر جار, كل هذه وغيرها تشكل أساساً يحكم علاقة الإنسان بالبيئة. إن إسهامنا في البحوث والدراسات بشأن المواضيع التي حددها خادم الحرمين الشريفين في كلمته أمام المؤتمر يمثل فرصة سانحة لرسم السياسة الاستراتيجية التي يفترض أن نشكلها بشأن الطاقة, والبيئة, والتغير المناخي, وإذا ما تم لنا تشكيل هذه الاستراتيجية, وفق بحوث ودراسات علمية يمكننا أن نقدمها للعالم ونكون رواداً في طاقة المستقبل كما نحن رواد في إنتاج طاقة النفط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي