نظرة مستقبلية لصناعة الدواجن المحلية

نظرة مستقبلية لصناعة الدواجن المحلية

الأمن والغذاء نعمتان أنعم الله بهما على هذا الوطن الحبيب وأولتهما حكومة خادم الحرمين الشريفين دعمها المباشر، فالغذاء هو مبعث الصحة والأمن، لذا حظيت صناعة الدواجن في المملكة بدعم متواصل حتى أخذت مكانتها بين كبريات الدول المتقدمة في هذا المجال.. وكعهد المستثمر السعودي لم يدخر جهدا في سبيل ترسيخ هذا الدعم لتنتشر مشاريع الدواجن في جميع أرجاء الوطن ليحظى الجميع بلحوم الفروج وبيض المائدة عالية الجودة أينما كان موقعهم.
وصناعة الدواجن المحلية حققت اكتفاء ذاتيا من لحوم الدواجن بلغ نحو 65 في المائة، ومن بيض المائدة ما يزيد على 100 في المائة، كما بلغ متوسط نصيب الفرد من لحوم الدواجن نحو 30 كيلو جراما/ فرد، إلا أن التوقعات الحديثة تشير إلى زيادة نصيب الفرد من لحوم الدواجن إلى نحو 42.04 كيلو جرام/ فرد، ببلوغ عام 2010، كما يصل حجم الاستهلاك الكلي في هذا العام إلى نحو 1093.7 ألف طن.
والإحصاءات الحديثة تشير إلى أن إجمالي إنتاج المملكة من فروج اللحم يقدر بنحو 531 ألف طن فقط في عام 2010، ما يعني استمرار وتيرة الاستيراد من الخارج لتلبية الاحتياجات المتزايدة من لحوم الدواجن، وهنا يتساءل ألسنا بقادرين على تلبية كامل هذه الاحتياجات ذاتيا أو على الأقل تقليل حجم الاستيراد إلى حده الأدنى؟ ويضيف لماذا يزداد القلق على صناعة الدواجن المحلية وخاصة في هذه الأيام؟.. ويجيب سعادته قائلا في ظل النظام العالمي الجديد ستتحدد المنافسة التي سيكون أساسها سعريا، إضافة إلى الجودة، فالكل سيسارع لتخفيض تكاليف الإنتاج ليجد مكانه في الأسواق المنفتحة. ولعدم الخوض في تفاصيل اقتصادية وفنية كثيرة قد لا يتسع المجال في هذا المقال لذكرها، نشير إلى أن سعر البيع في جزئه الأكبر هو محصلة لمجموع تكاليف مدخلات الإنتاج، فهناك كلف نقدية مدفوعة القيمة تظهر ضمن قائمة التكاليف وكلف إنتاجية غير مدفوعة لا تتضمنها هذه القائمة.. فالمناخ البيئي الموائم للعملية الإنتاجية يمثل أحد عناصر التكاليف غير مدفوعة القيمة، حيث تلعب هذه العوامل دورا مهما في حيوية وإنتاجية الطيور لتقوم أعضاؤها الداخلية والإنتاجية بكامل وظائفها الطبيعية، وذلك ما بين درجة حرارة 28 – 30 درجة مئوية، وتتوافر مثل هذه الحرارة ما بين خطي 30 – 35 درجة مئوية، وهو المدى الذي تقع ضمنه كبريات مراكز إنتاج الدواجن في الدول المصدرة لهذه المنتجات وبأسعار منافسة مثل البرازيل، أمريكا، الصين، وأستراليا، وهي أيضا أكثر الدول إنتاجا للذرة الشامية وفول الصويا.
وعليه فإن ما تتمتع به هذه الدول من ظروف بيئية مناخية موائمة لإنتاج الدواجن ومحاصيل العلف الرئيسية يسهم نسبيا في تخفيض تكاليفها الإنتاجية مقارنة بالدول التي يسود مناخها الجو الحار معظم أشهر السنة وتتطلب تربية الدواجن إنشاء حظائر ذات درجات عزل عالية ومزودة بأجهزة وأنظمة لتوفير الظروف البيئية الموائمة، التي تتطلب مزيدا من الطاقة لعملها، مما يعني زيادة تكاليف الإنشاء والتشغيل.
ويضيف الدكتور الثنيان قائلا: إن تكاليف التغذية التي تمثل نحو 65 في المائة من إجمالي تكاليف الإنتاج سوف تلعب دورا مهما في المنافسة السعرية لمنتجات الدواجن، فالبلدان المنتجة للذرة الصفراء وفول الصويا ستكون أسعد حظا من تلك التي تعتمد على استيراد كامل احتياجاتها من هذين المكونين العلفين الرئيسيين. يبدو ذلك واضحا في ظل ما تشهده أسعار الحبوب العالمية من تزايد مستمر، خاصة بعد أن وجدت الذرة وغيرها من الحبوب طريقها إلى أسواق إنتاج الطاقة البديلة (الميثانول)، مُشكّلة بذلك منافسا جديدا للإنسان والحيوان في غذائه.. وذلك فضلا عن الزيادة في تكاليف نقل الحبوب من مواقع إنتاجها إلى مناطق الاستهلاك جراء الزيادة المستمرة في أسعار المواد البترولية.
كما أن عدم اكتمال باقي حلقات المواد التشغيلية لصناعة الدواجن والاعتماد على استيراد صيصان جدات الفروج وأمهات دجاج البيض والأدوية واللقاحات البيطرية وتجهيزات حظائر ومشاريع الدواجن يشكل أحد العناصر المؤثرة في تكاليف الإنتاج بصورة أو أخرى وليست تداعيات انتشار مرض إنفلونزا الطيور في بعض البلدان الموردة لصيصان الأمهات والجدات ببعيدة، حيث تم تحديد عدد معين من الدول المسموح بالاستيراد منها والتي ما لبثت أن رفعت أسعار منتجاتها جراء زيادة حجم الطلب عليها. ويعني ذلك أن تكاليف الإنتاج ستكون دائما في صالح البلدان التي تكتمل فيها معظم حلقات صناعة الدواجن، التي غالبا ما تتمتع بمناخ بيئي يتناسب مع طبيعة تربية الدواجن، وتنتج بكميات تجعلها تتمتع بالميزة النسبية لسعة الإنتاج والتي من شأنها تخفيض وحدة تكلفة المنتج.
وعودة إلى سؤالنا الأول هل صناعتنا الوطنية قادرة على إنتاج ما يلبي حاجة البلاد من فروج اللحم أو تقليص حجم الواردات إلى حدها الأدنى، وبما يحد من المنافسة السعرية الشرسة التي يتعرض لها الإنتاج المحلي؟
الإجابة قد تكون جزئيا بنعم، فنحن نملك من الرساميل ما يؤهلها لإقامة المزيد من مشاريع الدواجن المختلفة، ولدينا من الخبرات المحلية ما يؤهلنا لإدارة وتشغيل هذه المشاريع، هذا من جهة، ومن جهة أخرى قد تكون الإجابة بالنفي، فاعتماد صناعة الدواجن المحلية على استيراد معظم مدخلات الإنتاج من الخارج، والتي تتعرض أسعارها للزيادة بين الحين والآخر، ونظام السوق العالمية الجديد قد يزيد من شراسة المنافسة السعرية بين المنتج المحلي ونظيره المستورد، والذي غالبا ما يكون في صالح الأخير.
وهنا يجب أن نعطي المستثمر السعودي حقه الذي طالما ضخ الملايين في صناعة الدواجن ومازال لديه القدرة والاستعداد لتدعيم هذه الصناعة والتوسع فيها، والذي من حقه التخوف من المستقبل، خاصة في ظل اعتماده في توفير معظم مدخلات إنتاجه على الاستيراد ولا غرابة أن يشاركه الكثير في هذا التخوف.
إن ما انتهجته الشركة العربية (أكوليد) منذ بدء نشاطها من خطوات لاستكمال حلقات صناعة الدواجن محليا بإنشاء مشاريع جدات وأمهات فروج اللحم ومصنع لإنتاج تجهيزات ومعدات حظائر الدواجن ومشاريع لإنتاج الحبوب العلفية ما هي إلا خطوة على الطريق تتطلب التضافر والمزيد من العمل الجماعي المتكامل، التي بتحقيقها سيجد المستثمر والمربي ما يلزم تشغيل مشاريعه ضمن دائرة بلدة مما يبعد عنه مخاوف وشبح الاعتماد الكلي على الاستيراد، ويعاود ضخ أمواله في مشاريع جديدة لاستكمال حلقات الصناعة والمنتجات النهائية من لحوم وبيض.
وهنا نؤكد أن التطور في النمط الاستهلاكي للحوم الفروج والذي يتجه إلى تفضيل الإنتاج المبرد الطازج سيكون لصالح المنتج الوطني، حيث إن استيراد هذا النوع من الإنتاج يتطلب أسطول نقل جوي سريع، ما يزيد من التكاليف وسعر البيع. استكمالا للحلقة فإنه من الضروري خلق القنوات التسويقية اللازمة وتنظيم العلاقة بين منتجي الفروج ووحدات الذبح والتجهيز ومراكز البيع بما يحفظ حقوق جميع هذه الأطراف والمستهلك على حد سواء.
وأخيرا، فإن ما قامت به حكومة خادم الحرمين الشريفين من زيادة الدعم لعدد من الحبوب العلفية لخير دليل على حرص الدولة على استقرار صناعة الدواجن الوطنية وتحفيز المنتج لمزيد من النهوض بهذه الصناعة، ومن المؤكد أن هذه الخطوة يتبعها خطوات دعم أخرى لدى خادم الحرمين الشريفين.

الأكثر قراءة