العملات الخليجية ونهاية مسلسل الدولار والنفط

[email protected]

عادت إلى الأضواء مسألة ضعف الدولار . ففي مؤتمر قمة "أوبك" الثالث المعروف بقمة الرياض، نجحت "أوبك" في عزل مسألة ضعف الدولار عن أجندة القمة. ذلك أن دور "أوبك" هو تعزيز سوق الطاقة العالمي وليس سوق العملات الذي يجب أن يبقى ضمن اهتمامات البنوك المركزية. ناهيك عن أن ضعف الدولار أسهم ليس فقط في ارتفاع أسعار النفط، بل أدى إلى ارتفاع معظم السلع الأخرى مثل الذهب، والزنك، والرصاص، وغيرها من المواد الأولية ليصبح الدولار مسألة تهم جميع دول العالم وليس "أوبك" وحدها.

في خضم تلك القمة، ظهرت أصوات بعض مسؤولي البنوك المركزية الخليجية بنية البعض تغيير سياساته النقدية تجاه الدولار، بينما بقيت نية البعض الآخر عند مواقفه السابقة بعدم التغيير. فالإمارات العربية المتحدة تتجه بقوة إلى تغيير سياساتها النقدية تجاه الدولار، فهي قد تلجأ إلى رفع قيمة الدرهم أمام الدولار أو تتبنى سلة عملات لربط عملتها بها. بينما أوضحت المملكة العربية السعودية نيتها بقاء سياساتها النقدية كما هي. ويبدو أن عوامل سوق العملات - الخارجة عن قدرة البنوك الخليجية المركزية في التأثير فيها - قد تجبر تلك الدول على تغيير سياساتها رغم نيّاتها المسبقة.

وتحدثنا في مقالات سابقة عن ضرورة التفكير الجدي في تبني سياسات نقدية تهدف إلى رقع قيمة العملات الخليجية، حيث نرى أن رفع قيمة العملات الخليجية أمام الدولار مع بقائها مرتبطة به أنسب الطرق في الوقت الحالي، حيث إن ذلك يبقي الدولار مرجعا مهما لتوحيد العملة الخليجية مستقبلاً. فالتوجه إلى ربط العملات الخليجية بسلة من العملات يجعل من الصعوبة بمكان توحيد العملات مستقبلاً، وقد يؤدي إلى حدوث تغيير كبير في سعر صرف العملات الخليجية فيما بينها، مما يجعل الاستثمار الخليجي الموحد يواجه مخاطر سعر الصرف التي قد تكون عائقا جوهريا في تكامل الاستثمارات الخليجية، إضافة إلى أن ذلك سيحد من تدفقات التجارة البينية الخليجية، وقد يرجئ تنفيذ السوق الخليجية المشتركة.

من هنا فإن السياسات النقدية للبنوك المركزية الخليجية ستكون أهم التحديات التي ستواجه قمة دول الخليج المقبلة المقرر عقدها في كانون الأول (ديسمبر) المقبل. فالإمارات العربية المتحدة تدفع بقوة مسألة الارتباط بالدولار وإعادة تقييم عملتها في وقت حرج للغاية لدول الخليج. إذ إن تغيير قيمة الدرهم بشكل منفرد سيجبر دول الخليج الأخرى على تغيير قيمة عملاتها في وقت قد لا ترغبه تلك الدول. لذا فإن الاتفاق بين البنوك المركزية في رفع قيمة عملاتها أمام الدولار مع بقاء الدولار العملة المرجعية أصبح أمرا مهما وضروريا. وأهم من ذلك يجب أن يكون التوقيت مناسباً للجميع. فالوقت الراهن قد لا يكون مناسباً بسبب الطلب القوي على الريال أثناء فترة الحج.

لذا فإن بداية عام 2008 قد تكون مناسبة للبدء باتخاذ خطوة واحدة بإعلان واحد، لرفع قيمة العملات الخليجية بالنسبة نفسها أمام الدولار، ما عدا الكويت التي تتبع سياسة نقدية مرتبطة بسلة من العملات. إن الاتفاق على ذلك قد يرسل تطمينات قوية لسوق العملات، كما سيرسل تطمينات قوية إلى قدرة دول الخليج على تبني عملة خليجية موحدة حتى لو عدل توقيتها إلى 2015.

وستبقى بعد ذلك مسألة الكويت وعُمان. فالكويت قد تعود إلى ربط عملاتها بالدولار متى تحسن الدولار. فالدولار الذي شهد ضعفاً كبيراً ومتسارعا أمام العملات الرئيسة الأخرى قد يتحسن في سنة 2008، خصوصاً أن هناك بوادر مشجعة على استقرار الدولار، حيث يشهد عجز الموازنة الحكومية الأمريكية تحسنا جيدا حيث قد تشهد فائضاً في سنة 2010. وهناك تحسن ملموس في ميزان المدفوعات الأمريكي الذي استفاد كثيراً من تراجع الدولار مما يجعل إمكانية استقرار الدولار وعودته قوياً أمرا قائماً. وهذا يشجعنا على حث دول الخليج على بقاء عملاتها مرتبطة بالدولار حتى تنجح في توحيد العملة الخليجية المرتقبة. عندئذ يمكنها التفكير جدياً في سلة عملات موحدة في طريقها لتحرير سعر صرفها تماماً. فتحرير سعر الصرف للعملات الخليجية يظل أفضل الخيارات لاستقلالية السياسة النقدية الخليجية، وحلماً يمكن تحقيقه مع تنوع اقتصادات دول الخليج حيث بدأت دبي في تنويع اقتصادها بصورة تجعلنا نعتقد أن بإمكان دول الخليج الأخرى تنويع اقتصاداتها خلال السنوات العشر المقبلة لينتهي عذر التمسك بتثبيت عملاتنا بالدولار، لأن النفط يسعر بالدولار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي