رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل كشفت قمة "أوبك" القناع عن ثقافتنا النفطية؟

عندما بدأت قبل أعوام بكتابة سلسلة من المقالات عن أننا دولة النفط ولكن ليس لدينا دراية به سواء كمواطنين أو مؤسسات، وأننا من المفروض أن نكون مستشارين للعالم في شؤون النفط، لم أتوقع أنني سأفاجأ بضحالة خبرائنا من خلال التغطية الإعلامية لقمة "أوبك". وليس ذلك فقط بل اكتشفت أن دولة النفط ليس فيها إلا كاتبين ومحللين فقط في شؤون النفط. صحيح أن وزارة البترول قامت بدورة تأهيلية للصحافيين قبل أيام من القمة، ولكن ألم يكن من الأولى أن نكون فكرنا في ذلك قبل أعوام، أم أننا لم نصح أو نعرف النفط إلا اليوم! كان الأولى أن يكون لدينا معهد قائم ومنذ أعوام لجميع التخصصات النفطية مثل الإعلام والصحافة النفطية والطاقة وتخصصات أخرى للعلاقات العامة والسكرتارية وباحثي معلومات نفط وطاقة ومسوقي نفط وطاقة ومحللين لحماية البيئة وأضرارها، وغيرها من التخصصات التي تخدم مصدر رزقنا الأساسي. النفط الذي نعيش من خيره لأكثر من 50 عاما الذي يعطينا سنويا مئات المليارات. ألا يستحق أن نزكي من هذا المال لتأهيل أبنائنا ليكونوا خبراء العالم للنفط والطاقة!! وليكون لدينا أكثر من جامعة للبترول والمعادن والطاقة.؟ وأن يكون لها فروع في أنحاء المملكة؟ وأن نكون مركزا مشرقا لنعلم العالم ونكون مقصدا علميا في النفط والطاقة تتسابق الدول لابتعاث أبنائها إليه، وأن يبحث العالم عن خبرائنا وشركاتنا الوطنية للتنقيب والتكرير والتصفية والتسويق والإدارة والتشغيل والصيانة للنفط والغاز وأنواع الطاقة؟
وهذه الشمس التي تلسعنا كل يوم ألا تحرك فينا التفكير للاستفادة منها كطاقة أو ثروة وطنية أخرى نسخر لها البحث والتطوير ونعلم وندرب أبناءنا على الطاقة والطاقة البديلة! وليكون لدينا مراكز أبحاث ومؤسسات خبرة عالية المستوى في علوم النفط والطاقة. وهل لدينا رؤية مستقبلية واضحة لما نود أن نكون مبنية على قدراتنا ومقتدراتنا؟ فمعظم دول العالم تسعى لأن يكون لها اسم يعكس حضارتها وما تسعى إلى الوصول إليه. وقد سبق أن أشرت في مقال سابق إلى الصراع بين بعض الدول الآسيوية مثل ماليزيا وتايلاند وسنغافورة وأسماء مثل آسيا الجديدة، آسيا السياحية، الاقتصادية، والتجارية. بينما تبقى أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم تفتقد رؤية مستقبلية واضحة لما نهدف إليه. وماذا ستكون رؤيتنا التي نحملها للأجيال المقبلة عندما ينتهي مخزوننا من النفط. أو عندما يتضجر العالم من مشكلات التلوث البيئي، خاصة بعد التوجه العالمي الأخير لتجنب الطاقة النفطية. ومحاذير ذلك علينا من فرض ضرائب أو عقوبات. أليس من الأولى أن نبدأ من الآن في وضع رؤية وخطة مستقبلية للاستفادة من مدخراتنا النفطية لتطوير تقنية تقليل التلوث من الوقود وفي الوقت نفسه تطوير البدائل الأخرى للطاقة التي حبانا الله بها مثل الطاقة الشمسية والكيميائية وغيرهما؟ وأن نسخر إمكاناتنا للبحث العلمي والتطوير لتلك البدائل وندرب أبناءنا من خلال برامج مشتركة مع الدول التي سبقتنا في هذا المجال. وما الذي يمنعنا أن نحلم أن نكون دولة أو مملكة الطاقة Energy Kingdom؟

هل نحن نفتقد الخبراء في النفط والطاقة أم أن سياستنا التعليمة والتدريبية أخفقت أو لم تكن موجهة لسد هذا النقص في خبراء النفط ولاحتياجاتنا الوطنية والاقتصادية؟ فنركز على تخصصات لا نحتاج إليها أكثر مما نركز على الاختصاصات التي تتناسب مع ثرواتنا واحتياجاتنا السوقية والاقتصادية.

وهل نحن نناقض أنفسنا؟ لقد امتدحنا نجاح خططنا الخمسية السبع لمدة 35 عاما وخاصة في مجال التعليم والابتعاث والتدريب. وأن لدينا جيلا متعلما تعليما عاليا وخريجي أفضل الجامعات. وحتى من يتخرج في جامعات لا نعترف بها نرفضه. وبعد هذا التشديد على الجامعات يرجع مبتعثونا لنركنهم. وتبقى الترقية فقط للأقدمية حتى لو لم يكن لديه أي مؤهل أو للقبلية والأقارب! ونعود لنعتمد على خبرات من الجيل القديم الذين تخرجوا أو تعلموا فك الخط في مصر وبتعليم متواضع هو أقل مستوى من الجامعات التي نرفضها. وندور هؤلاء الخمسة أنفسهم من وزارة لوزارة. وليس في هذا البلد إلا هذا الولد! مما يجعلنا نتساءل: هل فشلت خططنا الخمسية في التعليم.

لقد عجز إعلامنا عن أن يربط بين قمة "أوبك" وعلاقتها بما سبق أن أشرت إليه منذ أشهر من انعقاد مؤتمر دول الطاقة التي تتبع روسيا. وهي مؤسسة أو هيئة للطاقة مكونة من عدة دول أكبرها الصين وروسيا وتنضم لها كازاخستان وطاجيكستان وبعض الدول التي استقلت من الاتحاد السوفياتي. وهو مؤتمر معروف وتهدف من خلاله المنظمة إلى التحكم في أبحاث ومسارات وتوجهات الطاقة في العالم، وكيف تتمكن تلك الدول من الاستفادة منها. لقد كان أكثر ما شدني في ذلك المؤتمر هو حرص ثلاث دول أخرى وسعيها للانضمام إلى تلك المنظمة. وهذه الدول هي إيران والهند وباكستان. وهذا الاهتمام من تلك الدول يجعلني أعيد الطرح والتفكير في ضرورة أن تتقدم للانضمام إلى تلك المنظمة. أو أن نبحث الموضوع لمعرفة لماذا هذا الاهتمام. أليس هناك ما يلفت النظر؟ فهم جيراننا من الشمال والشرق.

وعندما نتحدث عن الطاقة في بلدنا فإننا نتحدث عن دولة حباها الله بثروات من الطاقة بدءا من النفط ومشتقاته إلى البدائل النظيفة للطاقة. ثروات من وفرة الأشعة الشمسية والرمال التي يصنع منها السليكون للشرائح الضوئية. وإلى صحراء ووديان مناسبة لمجاري أو أنفاق هوائية لتحريك مراوح الطاقة الهوائية، وإلى محاصيل التمور التي يستفاد منها في الطاقة الكيميائية من حرق السكر وتحويله إلى أنواع الوقود الكحولية.

مجموعة كبيرة من المخرجات والثروات التي لا نجد لها الموارد البشرية المؤهلة والمهنية التي كان ولا يزال يجب أن نتبنى فكرة تطوير تلك الثروات وفق خطة تدريجية لتأهيل أبنائنا لأخذ زمام المبادرة والقيادة نحو مستقبل مشرف لنا. وحسب الأولوية والأهمية من خلال خطة طويلة المدى وعلى مراحل من عشرات إلى مئات السنوات. فالعالم يتوجه إلى هذا المسار.
هذا التدرج في الطرح البسيط يجعلني أتساءل عن دور المسؤولين أو المختصين في هذا المجال عن مدى إسهامهم في توعية المجتمع إلى تلك الثروة. وإلى مدى أهمية نشر أو طرح آخر ما توصلوا إليه من أبحاث في هذا المجال. وهل نجحت التجربة السابقة لبرنامج الطاقة الشمسية في قرية العيينة الذي سمعنا عنه مرة واحدة منذ بدء البرنامج من 30 عاما ثم لم نسمع عنه أي شيء. صحيح أن التطور في هذا المجال سريع وأن التجربة السابقة قد لا تكون جيدة. ولكن الأهم هو إعادة التفكير في بدائل الطاقة وخاصة الشمسية.

موضوع ضحالة وعينا والعجز الواضح في مخزوننا من الخبرات النفطية والطاقة موضوع مصيري لمعظم دول العالم، والمنافسة شديدة على مَنْ يقود الزمام ومَنْ يبقى خلفه. لذلك فإننا يجب أن نسارع إلى وضع خطة ورؤية مستقبلية متميزة تميزنا عن غيرنا. وأن نسخر لذلك البحث القدرات المالية والبشرية والعلمية للتطوير وأن نزرع في أبنائنا هذه القدرات وأن نوجههم التوجيه الصحيح من خلال جامعات ومعاهد تدريب. وأن نسعى لأن نكون دولة الطاقة بكل ما يحمله الاسم من أبعاد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي