ذروة إنتاج النفط
خلال هذا الأسبوع سجل سعر برميل النفط رقماً قياسياً جديداً. حيث تجاوز سعر البرميل حتى تاريخ كتابة هذا المقال يوم الأربعاء الماضي 99 دولاراً للبرميل, ولأكون دقيقاً فقد بلغ سعر البرميل ذلك اليوم 99.29 دولار للبرميل لتسليم شهر كانون الثاني (يناير)، وفي يوم نشر هذا المقال قد يكون سعر البرميل تجاوز الـ 100 دولار. ويعزو الكثير من المحللين هذه الارتفاعات القياسية إلى عوامل لا تتعلق بقريب أو بعيد بكفاية الإنتاج الحالي من النفط. حيث تقدر وزارة الطاقة الأمريكية أن الطلب العالمي على النفط يتراوح بين 85 و86 مليون برميل يومياً في حين يضخ منتجو النفط ما يقارب الـ 85 مليون برميل يومياً. أحد هذه العوامل التي يعول عليها المحللون أسباب ارتفاع أسعار النفط هو انخفاض سعر الدولار إلى مستويات قياسية لم يسبق أن بلغها خصوصاً أمام اليورو الذي سجل هذا الأسبوع مستوى قياسيا جديدا بلغ 1.48 دولار لكل يورو. هذا الانخفاض يشجع المستثمرين على تغطية أنفسهم من خطر انخفاض القوة الشرائية لأموالهم باستخدام سلع حقيقية كالنفط بدلاً من الاحتفاظ بها في شكل دولارات ما سيؤدي إلى تراجع قوتهم الشرائية مع الزمن. عامل آخر يشير إليه الكثير من المحللين وهو المتعلق بنظرية ذروة إنتاج النفط والتي تجد لها صدى لدى الكثيرين. وقد تناول كل من رسل قولد وآن ديفز في مقال جيد نشر في صحيفة "وول ستريت جورنال" يوم الإثنين الماضي هذه القضية مستعينين بآراء أشخاص من داخل صناعة النفط وتقارير مراكز أبحاث الطاقة. ونظراً لما تضمنه هذا المقال من معلومات مهمة تتعلق بهذا الأمر فإنني ارتأيت أن أستعرض هنا الجوانب المهمة التي تطرق لها المقال المذكور.
تتضمن نظرية ذروة إنتاج النفط والتي تجد صدى واسعا بين الكثير من الجيولوجيين والباحثين من خارج صناعة النفط أن الإنتاج العالمي من النفط سيبلغ ذروته قريباً، ما يعني أنه لن يعود بالإمكان بعد ذلك زيادة الإنتاج لمستويات أعلى، بل إن الإنتاج العالمي من النفط سوف يبدأ بالتناقص بعد ذلك. وهناك بعض الدلائل التي تدعم هذه الرؤية منها أن الاكتشافات النفطية الجديدة قد تراجعت مع الزمن. فحتى عام 1970 اكتشفت عشرة حقول نفط قادرة على الإنتاج بكميات كبيرة. وخلال الـ 20 سنة التالية اكتشف حقلا نفط فقط يتمتعان بقدرة إنتاجية عالية. وفيما بعد 1990 اكتشف حقل واحد فقط في كازاخستان ذو قدرة إنتاجية تقدر بـ 500 ألف برميل يومياً, ومع ذلك فاستخراج هذا النفط يتطلب تكاليف عالية جداً. هذا التناقص في الاكتشافات يدلل حسب وجهة نظر داعمي نظرية ذروة إنتاج النفط الفكرة القائلة إن العالم استهلك تقريباً نصف المخزون النفطي الموجود في باطن الأرض، ما يعني استحالة زيادة الإنتاج بعد ذلك.
والنقطة التي يدور حولها الجدل الآن هي قدرة الآبار النفطية الحالية على تجاوز مستوى الـ 100 مليون برميل بحلول عام 2030، حيث يزعم مؤيدو هذه النظرية أن الإنتاج العالمي من النفط لن يستطيع تجاوز هذا المستوى على الرغم من أن تقارير صدرت من جمعيات بحثية متخصصة في مجال أبحاث الطاقة تؤكد ذلك. ففي حين تؤكد وكالة الطاقة الدولية أن الإنتاج العالمي من النفط سوف يتراوح ما بين 102 إلى 120 مليون برميل بحلول عام 2030، يفند المدير التنفيذي لشركة توتال النفطية الفرنسية هذه المزاعم حيث يرى عدم واقعيتها بل إنه يذهب إلى أبعد من ذلك بالقول إن بلوغ أو تجاوز مستوى إنتاج قدره 100 مليون برميل يومياً بحلول عام 2030 هو أمر صعب حدوثه. ومما يبعث على الاطمئنان بسلامة مصدر دخلنا الأساسي هو أن هناك تقارير أخرى تفند مزاعم مؤيدي نظرية ذروة النفط. ومن هذه التقارير تقرير جمعية كامبريدج لأبحاث الطاقة CERA والتي أشارت في تقريرها الصادر في العام الماضي إلى أنها تتوقع ألا يصل النفط إلى قمة إنتاجه في أي وقت قريب، بل على العكس من ذلك فإنها تتوقع أن تؤدي التقنية إلى بلوغه مستوى 110 ملايين برميل في عام 2015. إضافة إلى ذلك أشارت الـ CERA في تقرير حديث لها إلى أن إنتاج النفط لن يبلغ ذروته قبل عام 2030 وفي حالة بلوغه الذروة في هذا العام فسيستمر مستوى الإنتاج بالتذبذب لعقد أو أكثر من الزمن قبل أن يبدأ بالتراجع مرة أخرى. أمر آخر يبعث على الاطمئنان هو أن سيناريوهات النفط درجت على كونها متشائمة إلى حد كبير، ففي عام 1970 توقع أن يبلغ سعر البرميل 100 دولار بحلول عام 1990 ومع ذلك فلم يبلغ برميل النفط هذا المستوى حتى هذه اللحظة (لحظة كتابة هذا المقال) ما يجعل الكثيرين يقللون من أهمية هذه المزاعم. ومن العوامل الأخرى التي تبعث على التفاؤل بشأن مستقبل النفط هو رؤية المسؤولين الحكوميين الأمريكيين المتفائلة بالوصول إلى مستوى 116 مليون برميل في عام 2030 الأمر الذي يعني أن مصادرهم تؤكد أن النفط سوف يكون متوافراً بشكل كبير خلال عقدين أو أكثر من الزمن.