العالم يراقب ماذا نفعل بوحدتنا الوطنية

[email protected]

في حفل الغداء الذي أقامه عمدة برلين تكريما لخادم الحرمين الشريفين أثناء زيارته الأخيرة لألمانيا، دار حديث مطول مع أحد رجال الأعمال في ألمانيا حول الوحدة التي قادها بسمارك في ألمانيا، والوحدة المماثلة التي قادها الملك عبد العزيز في الجزيرة العربية, ومدى الأثر المعاصر لهذه الوحدة على البلدين، وكان مبعث الحديث لوحة كبيرة في القاعة بدأ فيها موحد الولايات الألمانية المتحاربة بسمارك وحوله قادته ومندوب من السلطان العثماني.. وفي آخر الحديث قبل انتهاء مناسبة الغداء قال بنبرة فيها الامتنان والاعتزاز: "إن ما قام به بسمارك لألمانيا يعده الشعب الألماني إنجازا عظيما وهو الذي أسس عظمة وقوة بلادنا الآن.. وهذا تقريبا ما قام به الملك عبد العزيز في بلادكم، فهل أنتم مدركون لذلك".
عندما بدت تتضح ملامح حدود بلادنا من الطائرة تذكرت شهادة مضيفنا الألماني، وكانت ظروف الزمان والمكان تستدعي ما نعرفه عن حقبة زمنية كانت بلادنا مسرحا لحروب أهلية طاحنة، أنجانا الله من ويلاتها، عندما انطلق الملك عبد العزيز في مشروع الوحدة العظيم، وهو المشروع الذي قاد المملكة لتكون ضمن الدول الرئيسة في العالم.. دولة تحظى بالاحترام والتقدير وهذه حقيقة واقعة نلمسها ونقف عليها في كل الجولات التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين، وتأتي في كلمات وتصريحات الزعماء والمسؤولين، وتأتي في آراء النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن ما قدمه الملك عبد العزيز هو الآن (أمانة) في أعناقنا جميعا، ولكن هذه الأمانة تتطلب الرعاية المتجددة، وأبرز آلية عملية لإدامة موروث الوحدة هو أن نبني في الجيل الذي لم يتشكل وعيه بعد، نبني في نظامه المعرفي (ثوابت) الوحدة وغاياتها ومنطلقاتها، وأبرز مسار يؤدي بفاعلية إلى ذلك هو التعليم.. وهنا نقول إننا مطالبون بألا نضحي بالتعليم، إذا كنا نتطلع إلى إدامة الوحدة.
فيما يخص التزام الدولة الأدبي والإنساني تجاه التعليم.. الإنفاق الحكومي ما زال يخصص للتعليم النصيب الأكبر (24 في المائة من الميزانية)، وخادم الحرمين أمر بـ (9) مليارات كدعم إضافي ينفق على التعليم حسبما يراه القائمون على هذا القطاع.
إذاً لماذا يعد التعليم مهماً للوحدة الوطنية؟
إنه آلية فعًالة لرفع مستوى (التفكير العلمي)، أي أنه يجعل المجتمع بأفراده وبكل مؤسساته قادرا على الاستيعاب والتحليل لما يواجهه من ظروف صعبة، وأيضا مستعدا لاستثمار معطيات مراحل الازدهارالغنية بالموارد، والوفرات المالية. فالإنسان المتعلم يمكن توقع تصرفاته وتحليل سلوكياته، وهذا يساعد الحكومات على تنفيذها برامجها والمضي بمشاريعها، ويساعدها على التكيَف مع كل الظروف والاحتمالات، ويحميها من الاختراقات الخارجية, ويجنبها إثارة الفتن، فالإنسان المتعلم والمعزز بالمهارات ينزع إلى (الإنتاج)، والإنسان المنتج يخاف على (مكتسباته).
لذا الاهتمام بصناعة العقول وتكريس التعليم و(عدم المساومة) على جودته وكفاءات مخرجاته هو الذي قاد الدول العظمى إلى مواقعها الريادية الآن، وثمة مثال حي معاصر على أهمية التعليم في تكريس الاستقرار السياسي ودفع النمو الاقتصادي، وهو المثال الذي تقدمه دولة الهند الآن، فمخرجات التعليم الفني والتقني في الهند قادتها إلى جلب التقنية وتوطينها، والأهم هو ما يتعلق بأثر التعليم في تعميق التجربة الديمقراطية وتكريس الاستقرار السياسي..وانظروا ماذا يجري في الهند, وماذا يجري في الباكستان. وقفزة الهند الكبيرة، ومعها الصين، تعيد الآن ترتيب البيئة الجيوسياسية في العالم.
التعليم من الأساسيات التي لا تقبل المجازفة والمخاطرة والعبث، والتعليم هو أداتنا الفعالة لإدامة الوحدة وتكريسها, وهو الذي يجنبنا اختراق مجتمعنا وهز وحدته، وبما أننا مؤتمنون على موطن رسالة سماوية, وعلى ثروة حساسة للاقتصاد العالمي، فإن العالم يراقبنا بدقة الآن, ليعرف في أي إطار سوف نضع أنفسنا في المستقبل.. والسؤال الذي يواجهنا الآن، هو: هل نحن على مستوى المسؤولية لنحافظ على الوحدة التي نملكها بأيدينا؟ فما أوجده الملك عبد العزيز عظيم وكبير جدا، وليت قومي يعلمون!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي