رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المسؤولية الاجتماعية .. أدناها سلامة البيئة وسنامها معالجة القضايا المجتمعية

[email protected]

مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات نشأ وتطور في رحم الرأسمالية الغربية وفي بيئتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وفي ظل قيمها ومفاهيمها، وانتقل لبقية دول العالم التي لديها من المفاهيم المشابهة ولكن بدوافع مختلفة تماما عن تلك التي لدى الشركات الغربية، وهو ما جعل هذا المفهوم يتحول إلى مفهوم غريب صعب التطبيق في تلك الدول.
مفاهيم السوق تقول بضرورة الاستمرارية في تحقيق نمو في الأرباح وتوجيه الجهود كافة لتحقيق هذا الهدف، ولقد تطورت مفاهيم تحقيق الربحية ونموها بمرور الزمن، فبعد أن كانت الشركات الغربية ترى إمكانية تحقيق الربحية على حساب الأطراف الأخرى ذات الصلة بالشركة بما في ذلك المجتمع والبيئة، أدركت أن الأرباح المتنامية لا يمكن الاستمرار في تحقيقها ما لم يتم تغيير هذه السياسة واستبدالها بسياسات أخرى أكثر فاعلية، ومن هذا المنطلق تطورت مفاهيم كثيرة حتى تم التوصل إلى السياسة القائلة بضرورة العمل على تحقيق الأرباح بتحقيق ربح للجميع ALL WIN PROCCES، حيث أدرك منظرو الإدارة الغربية أن تحقيق الأرباح المتنامية لا يمكن له الاستمرار إذا كان على حساب أي طرف من أطراف المعادلة ( العامل، المورد، العملاء، المجتمع، البيئة... إلخ)، حيث سيعترض هذا الطرف مسيرة تحقيق الأرباح المتنامية بأي طريقة كانت للمحافظة على مصالحة.
ومن هنا بدأ مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات في الظهور والتطور مع مراعاة أن الحكومات الغربية تقوم بإعفاء الشركات من الضرائب إذا تبرعت بها لجهات مسجلة تعمل في خدمة المجتمع والبيئة، على اعتبار أن هذه الجهات تحقق ما تهدف الحكومات لتحقيقه، حيث تشارك في تحسين البيئة الاستثمارية لتلك الشركات لتحقق المزيد من الأرباح التي ستنعكس على الناتج الإجمالي المحلي لتلك الدول من ناحية، كما ستنعكس إيجابا على ميزانية تلك الدول من خلال ارتفاع إيرادات الضرائب، فضلا عن إسهامها في استقرار الأسواق من خلال موازنة المعروض والمطلوب من السلع والخدمات الأساسية والكمالية ومعالجة الكثير من القضايا المجتمعية التي تستدعي تضافر الجهود للتصدي لها.
مفهوم المسؤولية الاجتماعية الحالي يقول إن أدنى درجات هذه المسؤولية يتمثل في ابتعاد الشركة عن تحقيق أرباح من أمور غير مقبولة أخلاقيا أو قانونيا، وأعلاها أن تقوم الشركة بالإسهام في خدمة قضايا المجتمع مثل تطوير آلية الأبحاث والدراسات وتنمية الفكر والتصدي لمشكلة البطالة والإعاقة والفقر والبيئة إلى غير ذلك من القضايا والمشكلات المجتمعية، أما أوسطها فيتمثل في تطوير منتجات وخدمات تشكل قيمة مضافة للمجتمع وللبيئة تسهم في رفع جودة حياة السكان، حيث من المتوقع أن تسعى تلك الشركات إلى تحقيق تعاون متوازن مع الحكومة والمجتمع من أجل تحقيق الأهداف التنموية المستدامة.
مفهوم المسؤولية الاجتماعية الغربي انتقل إلى بيئتنا المختلفة عن البيئة التي نشأ بها ليصطدم أو يتوافق مع مفهوم التكافل الاجتماعي ذي الدوافع الأخروية أو التعارف الاجتماعي ذي الدوافع الأنانية من أجل تحقيق أهداف تفوق ما تم تقديمه من باب المسؤولية الاجتماعية، وهنا نشأ لدينا مفهوم مسخ، حيث تجد شركات ترعى أنشطة فكرية تسهم في معالجة قضايا مهمة وملحة تقوم في الوقت نفسه بتحقيق أرباح عالية من خلال ممارستها أنشطة لا أخلاقية كأن تقوم بخلق تضخم مصطنع بفعل فاعل من أجل تحقيق أرباح كبيرة على حساب الوطن والمجتمع والسوق الذي تعمل فيه.
ومن أمثلة ذلك ما تقوم به بعض الشركات العقارية التي ترعى بعض الأنشطة التي تحقق لها حضوراً إعلاميا إيجابيا في أذهان أبناء المجتمع على أساس أنها تقوم بمسؤولياتها الاجتماعية، ولكنها في الوقت نفسه تقوم بمبايعات "وعلى الخريطة" بأسلوب المناجشة المحرم شرعا وأخلاقا لإيجاد قواعد سعرية لمنتجاتها تنطلق من خلالها لتحقيق أرباح كبيرة على حساب السوق العقارية، وعلى حساب أفراد المجتمع الذين سيعانون هذا التضخم المصطنع الذي سينعكس سلبا في تضخيم أسعار جميع السلع والخدمات ذات الصلة بالقطاع العقاري.
كيف لنا تطوير مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات ليتناسب وبيئتنا، أعتقد أنه يجب الفصل بين مفهومي التكافل الاجتماعي والمسؤولية الاجتماعية، فالتكافل الاجتماعي ينطلق من دوافع أخروية لدى الميسورين الأفراد (وليس الشركات) على اعتبار أنهم أفراد ينفقون من أموالهم الخاصة من أجل الأجر والثواب، وهم على صنفين منهم مَن تنفق يمينه ما لا تعلم شماله، ومنهم من ينفق ليعلم الناس إنفاقه من أجل تحقيق حضورا إعلامي ومكانة اجتماعية وهذه قضية بينه وبين خالقه، أما المسؤولية الاجتماعية فإنها تنطلق من دوافع تسويقية لدى الشركات (وليس الأفراد) على اعتبار أن قيامها بمسؤولياتها الاجتماعية بالحدود الدنيا أو الوسطى أو العليا سيساعدها على رفع مبيعاتها نتيجة لبنائها سمعة متميزة لدى العملاء المحتملين، مما ينعكس إيجابا على أرباحها بالمحصلة.
لذلك فإني أعتقد أنه آن الأوان لأن يعمل القائمون على الشركات بمفهوم المسؤولية الاجتماعية الحقيقي، فالمجتمع الذي يحققون أرباحهم من خلاله ينتظر منهم أن يسهموا في معالجة قضاياه المجتمعية، كما ينتظر منهم أن يطوروا منتجات وخدمات عالية الجودة معقولة التكلفة، وفي أسوأ الأحوال ينتظر منهم ألا يدمروا البيئة التي يعملون بها بمخالفتهم القانون وبممارستهم أعمالا تجارية لا أخلاقية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي