آفاق النمو في أوروبا ملبدة بارتفاع أسعار اليورو والنفط

آفاق النمو في أوروبا ملبدة بارتفاع أسعار اليورو والنفط

لا يزال النمو الاقتصادي في بلدان الاتحاد النقدي الأوروبي يحتفظ بقوته وإن كانت ديناميته قد تراخت بعض الشيء في الآونة الأخيرة. ففي الربع الأول من عام 2007 بلغت نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي، بعد إعادة التقدير من قبل مكتب الإحصاء الأوروبي نحو 0.7 في المائة على طريق توسع واضحة. أما البيانات الإحصائية المتعلقة بإجمالي النمو الاقتصادي للربع الثاني فلم تتوافر بعد، غير أن المؤشرات الأولية تبشر بتطور ملائم آخر: حيث بقي مزاج أصحاب الأعمال حتى حزيران (يونيو) مستقرا على مستوى عال جدا، بينما يتطلع المستهلكون بتفاؤل متزايد نحو المستقبل.
غير أن ارتفاع أسعار صرف اليورو واستمرار زيادة أسعار النفط الخام قد أوقعا الفزع في قلوب المحللين والمؤسسات الاستثمارية. فوفقا لاستفتاء أجراه المركز الأوروبي للبحوث الاقتصادية تراجع المحللون عن توقعاتهم للدورة الاقتصادية في منطقة اليورو لتموز (يوليو) الحالي، وقد أصبحوا ينظرون لواقع الأعمال بتحفظ أكثر من السابق.
إن البيانات المتوافرة حتى الآن من القطاع الصناعي لا تشير إلى أن التطور المعتدل الذي شهده الربع الأول سيأخذ منعطفا نحو الأسفل. فمن المعروف أن الشركات الصناعية قد تمكنت خلال أيار (مايو) من تجسير الفجوة التي حدثت بسبب عطلة وقعت في نيسان (أبريل) الماضي، وما زال الاتجاه الصاعد متماسكا حتى اللحظة. وما يدلل أيضا على متانة التطور زيادة الطلبيات التي تجاوزت، وفقا للبيانات المتاحة، عثرة نيسان (أبريل) المشار إليها آنفا. فمثلا تلقت الصناعات التحويلية الألمانية في أيار (مايو) طلبيات تزيد بنسبة 3.2 في المائة على السابق. وبعكس ذلك تراجعت مبيعات تجارة التجزئة في منطقة اليورو خلال أيار (مايو) بنسبة 0.5 في المائة. وقد كان الاستهلاك الخاص هو العامل الأضعف في الحراك الاقتصادي في منطقة اليورو، حيث أصابه الركود في الربع الأول من عام 2007، مع أن تراجع نسبة البطالة كان من المفروض أن يدعم القوة الشرائية. وعلى أية حال فإن التفاؤل الذي عبر عنه المستهلكون في الاستفتاء السالف الذكر لم يترجم حتى الآن إلى زيادة في الاستهلاك. أما العوامل الدافعة للنمو في الربع الأول فقد كانت الاستثمارات والصادرات. كما أن الاستغلال الكامل للطاقة الإنتاجية في قطاع الصناعات التحويلية يدعو لتوقع مزيد من النشاط الاستثماري المكثف.
إن ما يثير القلق، رغم هذه الخلفية الإيجابية، هو المستويات القياسية الأخيرة لأسعار صرف اليورو بالنسبة للدولار الأمريكي والين الياباني، حيث يخشى العديد من المصدرين أن ارتفاع سعر الصرف الاسمي سيؤثر سلبا في فرصهم في بيع منتجاتهم في الأسواق العالمية. وقد انتقد الرئيس الفرنسي خاصة وبحدة، ارتفاع سعر صرف اليورو وحمل مسؤولية المشكلات الاقتصادية لبلاده، وهي ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، لقوة عملة الجماعة الأوروبية ولرفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة.
حقق الاقتصاد الفرنسي في الربع الأول من عام 2007 نموا لم يتجاوز نسبة 0.5 في المائة، ومن المتوقع، في الأجل المتوسط أن يكون نموه أقل من المتوسط. وفي الوقت نفسه بلغت نسبة البطالة 8.7 في المائة وهي أعلى نسبة بين الدول الأوروبية. ووفقا للرؤية الفرنسية فإن تخفيض أسعار صرف اليورو يمكن أن يؤدي، على الأقل، لزيادة الصادرات، كما سيؤدي تخفيض أسعار الفائدة إلى تشجيع الاستثمار والاستهلاك.
ومع ذلك فليست ثمة أية دلائل على إمكانية تخفيف السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي.، ففي حزيران (يونيو) الماضي رفع البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة الأساس بنسبة 0.25 في المائة. وفي ضوء تزايد كتلة النقد المتداول بما يزيد على 10 في المائة سنويا وفي ظل الضغوط السعرية المتزايدة بسبب نقص الطاقات الإنتاجية وتصاعد تكاليف المواد الخام فإن من المتوقع أن يقوم البنك المركزي الأوروبي برفع أسعار الفائدة إلى 4.5 في المائة خلال السنة الجارية، وسيؤدي فرق سعر الفائدة بالمقارنة بالولايات المتحدة إلى منح سعر صرف عملة اليورو مزيدا من القوة.
وعلى الرغم من بعض الشكاوى فإن باستطاعة الصناعات التصديرية الألمانية أن تتعايش مع سعر صرف 1.35 دولار لليورو الواحد ولما كانت الشركات الألمانية أصلب عودا من منافساتها الفرنسية أو الإيطالية فقد استغلت هذه الشركات حالة الركود التي سادت بعد سنة التحول إلى الألفية الجديدة لدفع إنتاجها وجعله أكثر كفاءة. وبفضل هذه العمليات فقد تمكنت الشركات الألمانية من تخفيض تكاليف الإنتاج وأصبحت بالتالي أكثر قدرة على المنافسة دوليا. ولهذا كان بوسع المصدرين الألمان في السنوات القليلة الماضية أن يحافظوا على حصصهم في السوق العالمية أو أن يزيدوا من هذه الحصص على الرغم من ارتفاع قيمة اليورو.
ومما لا شك فيه أن ارتفاع قيمة اليورو يحقق للمستهلكين في الاتحاد الأوروبي فوائد واضحة لأنه يخفض أسعار السلع الأجنبية ويساعد، قبل كل شيء، على موازنة أسعار النفط المتصاعدة. فالنفط المقيم بالدولار بلغ سعر البرميل منه (159 لترا) 78.4 دولار في الآونة الأخيرة مما يقربه من الرقم القياسي الذي سجل في آب (أغسطس) 2006. وبحساب السعر على أساس اليورو تبدو الزيادة في السعر أقل دراماتيكية. وبالطبع فإن ثمة أسبابا متعددة لارتفاع سعر النفط منها مثلا الحالة غير المستقرة لبعض البلدان الأساسية في إنتاج النفط كنيجيريا، أما السبب الآخر فهو زيادة الطلب على النفط وبشكل خاص من الصين.
وكما في السابق ينمو الاقتصاد العالمي بوتائر مرتفعة مستقرة، وهو ما يدعم الآفاق التصديرية لمنطقة اليورو. أما الاقتصاد في الولايات المتحدة فقد ابتدأ في الانتعاش من جديد بعد حالة من الوهن أصابته في الربع الأول. وحسبما يرى غالبية المراقبين يبدو أن عملية التصحيح في سوق المركبات قد أعطت أكلها. وفي الوقت نفسه يبدو الاقتصاد الياباني في حالة جيدة حيث حقق نموا قدره 2.7 في المائة في الربع الأول بالمقارنة بالربع الذي سبقه، وكان ذلك أيضا بفضل تزايد الصادرات اليابانية لبلدان شرق آسيا الناهضة. أما إذا كان ارتفاع سعر صرف اليورو سيشكل، في الأجل المتوسط، عبئا على النمو الاقتصادي فيعتمد، من ناحية أخرى، على ما إذا كانت الآثار الناجمة عن استمرار ازدهار الاقتصاد العالمي ستكون قادرة على تحييد هذا العامل.

الأكثر قراءة