رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


التوظيف الأمثل للفوائض المالية

[email protected]

غلاء الأسعار حوار مجالس العامة، والتضخم المتزايد حوار مجالس النخبة الاقتصادية والسياسية، وكل يرى ضرورة الاستفادة من الإيرادات النفطية العالية والفوائض المالية المتحققة لتخفيف معاناة المواطن من لهيب الأسعار بالشكل الذي يمكنه من العيش حياة كريمة بما يتناسب ووضع الدولة الاقتصادي.
أسباب الغلاء والتضخم معروفة، فالدولار المتداعي سبب واضح العيان حتى لرجل الشارع، والنمو الاقتصادي العالمي، حيث تشهد معظم مناطق العالم نموا اقتصاديا خصوصا في روسيا والهند والصين (أكثر من نصف سكان العالم) وهو ما أدى إلى ارتفاع معدلات الطلب على السلع والخدمات بالشكل الذي جعل أسعارها تتزايد بشكل غير مسبوق، وبالطبع فإن تأثير ارتفاع النفط غير غائب عن هذه المعادلة المعقدة.
ورغم أن التضخم الذي تشهده بلادنا هو تضخم مصحوب بنمو، وهو أفضل حالا من التضخم المصحوب بكساد، إلا أن الحلول العملية للتصدي لهذا التضخم ما زالت غير معروفة وغير واضحة، فهل نقوم بفك الارتباط بالدولار الضعيف والمتهاوي؟ أم نقوم برفع قيمة صرف الريال مقابل الدولار؟ أم نقوم برفع الرواتب والأجور؟ أم نقوم بدعم السلع الأساسية ( الرز، السكر، الحليب، الخبر .. إلخ )؟ أم ندعم المؤسسات الوطنية ونحفزها للمزيد من الإنتاج لموازنة المعروض والمطلوب على السلع والخدمات بما يهدئ من الارتفاعات خصوصا في القطاع العقاري ذي الارتباط المباشر وغير المباشر بحياة جميع المواطنين والأنشطة التجارية كافة، فالأمور ما زالت غير واضحة.
الحلول ما زالت غير محددة وغير واضحة، ومن المؤكد أننا نحتاج إلى حلول عملية وسريعة، ومن المؤكد أن هذه الحلول يجب ألا تسهم في رفع معدلات التضخم هي الأخرى، أحد الحلول الرائعة التي طرحها أحد الكتاب الاقتصاديين يقول بعدم رفع سعر صرف الريال وتوجيه الفائض المتكون نتيجة عدم رفع سعر الصرف إلى مصروفات تنموية محفزة للقطاع الخاص للمزيد من الإنتاج، حيث يقترح توجيه مليارات للتعليم، وأخرى للتدريب، وثالثة للقروض طويلة الأجل للشركات من أجل دعمها لرفع إنتاجها والتوسع في مشاريعها إلى غير ذلك، وفي ظني أنه مقترح يمكن تطبيقه، خاصة في ظل الإصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها حكومة خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله، حيث نراها تخصص مليارات الريالات لتطوير العديد من المرافق مثل التعليم والقضاء وغيرهما.
وأعتقد أن هذا المسار يحتاج إلى تدعيم من خلال التحرك في مسار آخر وهو التوظيف الأمثل للفوائض المالية التي بدأت تظهر في ميزانياتنا اعتبارا من عام 2003م وحتى عام 2006م، حيث بلغ إجمالي موجودات مؤسسة النقد نحو 977 مليار ريال في حزيران (يونيو) 2007م، وهو مبالغ كبيرة يجب توظيفها بالشكل الذي يحقق التنمية المستدامة القائمة على قطاع خاص نشيط قادر على قيادة الاقتصاد الوطني.
توظيف الفوائض المالية في بلادنا حاليا متعدد الأوجه والمجالات ويفتقر إلى منهجية ثابتة لتكوين الفوائض، ويغلب عليه طابع الإدارة الحكومية، ما انعكس على ضعف في العوائد، حيث مؤشر الاستثمارات المالية يتحرك بين 3 إلى 5 في المائة مقارنة بـ 18 في المائة تحققه شركة تيماسك المسؤولة عن توظيف الفوائص المالية في سنغافورة ومقارنة بـ 20 في المائة حققتها ماليزيا في السنوات الثلاث الأخيرة .
وكل هذه مؤشرات غير إيجابية يجب معالجتها بسرعة لتلعب الفوائض المالية دورها في تحويل البلاد إلى بلاد منتجة للخدمات أولا، وهو ما يجعل تأثرها بتذبذب العملات أقل حدة، كما تلعب دورها في توفير العملة الصعبة الأكثر قوة من خلال توظيف هذه العوائد في دول اليورو مثلا، ولكي تلعب أيضا دورا كبيرا في تمويل المشاريع العملاقة التي تحتاج إليها المملكة لاستكمال البنى التحتية خصوصا في مجالي النفط والطاقة، ولتوفير الخدمات الأساسية للمواطن من خلال تعزيز قدرات القطاع الخاص القادر على توفيرها بجودة عالية وأسعار معقولة مثل الإسكان والتعليم والعلاج والنقل وخدمات الاتصالات.
ختاما أقول إنه حان الأوان لتلعب الفوائض المالية "التي تستثمر في الأسواق المالية العالمية بعوائد منخفضة" دورها في تحقيق الأهداف التنموية المستدامة بتمكين القطاع الخاص من قيادة الاقتصاد السعودي ليجنب البلاد التأثر الكبير نتيجة التذبذب في أسعار النفط، وذلك من خلال توظيفها في استحداث شركات جديدة عملاقة في جميع القطاعات الاقتصادية، وفي إقراض المشاريع العملاقة ذات القيم المضافة التي تنعكس إيجابا على جودة حياة المواطن والمقيم على هذه الأرض الطيبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي