نمو الاستثمارات الإسلامية في شركات الأسهم الخاصة مرهون بالاعتبارات القانونية والعملية
شهدت عملية هيكلة وطرح اكتتابات شركات الأسهم الخاصة وصناديق رأس المال المغامر التي تتقيد بأحكام الشريعة الإسلامية نمواً سريعاً. ويرجع ذلك إلى أن هذه الشركات والصناديق أصبحت أكثر نضجاً وابتكاراً مع سعيها إلى قواعد جديدة من المستثمرين المهتمين بالاستثمارات التي تتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وتشجع القواعد الشرعية على المخاطرات المحسوبة والمسؤولة من الناحية المالية، بينما تحرم الاستثمارات المبنية على تحقيق مداخيل وعوائد ثابتة سواء بالفائدة أو ما يشبهها. واستطاعت صناديق الأسهم الخاصة التي لا تستخدم أدوات الفاعلية التقليدية الاستثمار بنجاح وفقاً للأحكام الشرعية.
ومن المؤشرات على تقبل هذه الأدوات الخاصة بالقيام باستثمارات توافق أحكام الشريعة الإسلامية عدد شركات الأسهم الخاصة التقليدية وصناديق رأس المال المغامر التي اجتازت اختبارات التقيد بالأحكام الشرعية عبر إجراء تعديلات طفيفة على السياسات الاستثمارية الخاصة بالصندوق نفسه، ومن الأمثلة على ذلك تعيين مجلس استشاري شرعي وإدخال القواعد التفصيلية للتقيد بالأحكام الشرعية في عمليات طرح الاكتتاب وفي الوثائق التشغيلية.
وتشكل استثمارات المرحلة المبكرة في الشركات المبتدئة أحد بدائل صناديق الأسهم الخاصة. ذلك أن هذه الاستثمارات توفر للمستثمرين نطاقاً كبيراً للتفاوض على هيكلية وشروط استثمارها بما يضمن التقيد بالأحكام الشرعية بسبب القوة النسبية للمستثمرين مقارنة بالشركات المبتدئة.
المروجون والمديرون
ما لم يحظر على مؤسسة مالية أن تفعل ذلك لأسباب تشريعية وتنظيمية، فإن من المؤكد أنه مسموح لأية مؤسسة مالية تقريباً أن تقدم منتجات استثمارية إسلامية. إذ يستطيع بنك غير إسلامي أو شخصي غير مسلم أن يتجر أو يستثمر بشكل يتقيد بأحكام الشريعة الإسلامية. وعليه، فإن مؤسسة مالية تقليدية في لندن أو نيويورك مسموح لها بالترويج لأحد صناديق الأسهم الخاصة الإسلامية تلبي احتياجات الزبائن من المستثمرين المسلمين، وفي كثير من الحالات، لا يتطلب ذلك تأسيس شركة تابعة مستقلة. ومن الناحية النموذجية، فإن دائرة مستقلة في مؤسسة ما تستطيع أن تطور وتطرح منتجات تتقيد بالأحكام الشرعية. على أن بعض الجهات القضائية قد تطالب بأن تكون تراخيص البنوك الإسلامية مستقلة عن التراخيص التقليدية، والنتيجة الواضحة لذلك هي أن الصناعة المصرفية في تلك الجهة القضائية تنص على وجود نظامين متوازيين هما النظام الإسلامي والنظام التقليدي. ويستطيع راعي صندوق رأس المال المغامر أن يعمل كمضارب بموجب ترتيب للمضاربة، أو كوكيل بموجب ترتيب للوكالة. وبعبارة أخرى، ليس من متطلبات الاستثمار الإسلامي أن يدخل مدير الاستثمار في شكل محدد من أشكال اتفاقيات إدارة الاستثمار من أجل أغراض أحد صناديق الأسهم الخاصة الإسلامية أو أي صندوق آخر بخصوص ذلك الأمر. بيد أنه يجب أن تنص اتفاقية إدارة الاستثمار على الخطوط الإرشادية التفصيلية للاستثمار تكون مشتقة من الشريعة إضافة إلى القيود الاستثمارية المحددة للصندوق.
التقيد بالأحكام الشرعية
يجوز للمستثمرين الإسلاميين أن يستثمروا فقط في الأنشطة التي تتقيد تقيداً تاماً بالأحكام الشرعية. وتعتبر الاستثمارات غير المباشرة محرمة كذلك. وعلى سبيل المثال، فإن صناديق الأسهم الخاصة الراغبة في أن تسوق للمستثمرين الإسلاميين لا تستطيع أن تستثمر في فرصة عقارية تؤجر بموجبها المكاتب للمؤسسات المصرفية والمالية التقليدية أو لشركات التأمين. وإذا نشأ هذا الوضع، فإنه يمكن استخدام مزيج من آليات الفصل القانوني وعمليات التطهير لضمان تقيد الاستثمارات العقارية الأساسية بالأحكام الشرعية. وهناك متطلب آخر للاستثمار الإسلامي، وهو يتعلق بمعدلات الفعالية المقبولة. إذ يجب على مدير الاستثمار في أحد صناديق الأسهم الخاصة الإسلامية أن يضمن أن تكون نسبة الدين الكلي لشركة مستهدفة إلى موجوداتها الإجمالية أقل من 33 في المائة. ويشتمل على الدين الإجمالي الدين بفائدة الذي يضم الدين التقليدي قصير المدى وطويل المدى، والدين غير الظاهر في الميزانية العمومية، وما شابه ذلك من أدوات.
ويصر كثير من المستشارين الشرعيين على أنه إذا امتلك صندوق للأسهم الخاصة الإسلامية السيطرة على شركة مستهدفة مثقلة بالديون، فإنه يجب على الصندوق أن يبادر إلى دفع كامل الدين التقليدي، حتى لو كانت نسبة هذا الدين إلى الموجودات الإجمالية للشركة أقل من 33 في المائة. أو أنه يجب عليه أن يلتزم بدفع الدين التقليدي بكامله خلال فترة محددة أقصاها ثلاثة أعوام في معظم الحالات، وذلك بموجب خطط وجداول سداد صارمة. وتتم هيكلة عملية تمويل إسلامية نموذجية كترتيب استثماري مبني على الموجودات وذلك مقابل اتفاقية الدين. وبعبارة أخرى، يكافأ المقرض الذي يعمل كتاجر سلع على مخاطرته المتمثلة في شراء سلعة متقيدة بأحكام الشريعة الإسلامية بثمن قدره س وبيعها إلى المقترض بثمن قدره ص رغم أن الدفع مؤجل. وينبع هذا من وجهة النظر المتمثلة في أن صندوقاً إسلامياً أو جهة إسلامية تفترض السيطرة على الشركة المستهدفة مسؤول ـ مسؤولة - عن ضمان هيكلة عمليات الشركة المستهدفة بما يتناسب مع أحكام الشريعة الإسلامية. ومن ثم، فإن العمليات غير المتفقة مع هذه الأحكام، بما في ذلك الاقتراض، يجب أن تعاد هيكلتها لتتماشى مع هذه الأحكام.
وحتى عهد قريب، عمل قيد الفاعلية على الحد من تطور صناعة الأسهم الإسلامية الخاصة لأن معظم الشركات مستثمرة في شركات تزيد فيها نسبة الفاعلية إلى الأسهم بشكل كبير عن النسبة المسموح بها للصناديق التي يمكن تسويقها على المستثمرين الإسلاميين. وقد أدت قيود الفاعلية الشرعية إلى قيام مديري الصناديق باستخدام الفاعلية الإسلامية لدفع ما على الشركة المستهدفة من أعباء حالية سواء أكانت الأعباء تقليدية أو بالفائدة.
إن المقاومة المعهودة لاستخدام الفاعلية الإسلامية المبنية على التزويد المحدود، وعلى التوثيق المعقد نسبياً، وعلى تقاضي أتعاب الوساطة، تقلصت في الأعوام الأخيرة، مع ازدياد نشاط عدد أكبر من البنوك الإسلامية والتقليدية في تمويل المشاريع والاستحواذات الإسلامية. وفي حال عدم توافر الفاعلية الإسلامية بشكل فوري أو منافس، يمكن استخدام هياكل مبتكرة أخرى لمعالجة متطلبات الفاعلية الإسلامية، ومن ذلك استخدام الهيكليات الاستثمارية الموازية التي يستثمر فيها المستثمرون الإسلاميون في وعاء ذي هدف خاص يتشارك في الاستثمار مع أوعية ذات أهداف خاصة أخرى تجمع الأموال والفاعلية للمشاركة في الاستحواذ على شركة مستهدفة وتدفع دينها التقليدي الحالي بالكامل. وتطلب هذه الهيكليات أحكاماً تفصيلية للتعامل مع توزيع الأرباح، والأحداث المترتبة على ذلك، والضرائب، ونسب الفاعلية والأمان. وبموجب الأحكام الشرعية، لا يسمح لمدير الصندوق أن يضمن عائداً ثابتاً يتصل بالقيمة الاسمية للأداة المصدرة. على أنه يسمح لمديري الصناديق أن يطوروا آليات لحماية رأس المال وليس لضمانه. ويرجع هذا بصورة رئيسية إلى المطلب الشرعي الذي يقضي أن يكون أي عائد على الأموال التي استثمرها المستثمر أو أقرضها المقرض متصلة بنتيجة العملية التجارية التي خاطر فيها المستثمر أو المقرض بماله. ونتيجة لذلك، فإن الصناديق والاستثمارات التي تضمن رأس المال لا توافق أحكام الشريعة الإسلامية.
تعارض القوانين
في هيكلة أي صندوق متقيد بأحكام الشريعة الإسلامية، ينبغي الحصول على مشورة قانونية متخصصة لتحديد المسائل التي قد تكون مناسبة في اختيار القانون الذي تخضع له مستندات الصندوق المعني ومرجعية تسوية الخلافات، وعلى سبيل المثال، قررت المحكمة العليا البريطانية في الآونة الأخيرة أن تكون السيادة للقانون البريطاني رغم أن اتفاقية للمضاربة اشتملت على نص قانوني يقضي بأن تكون السيادة في العقد المعني للقانون البريطاني "مع مراعاة أحكام الشريعة الإسلامية". وهناك أمثلة أخرى على حالات حكمت فيها بلدان الخليج بأن التداول في العقود الآجلة أو المشتقات هو من قبيل المقامرة، ومعنى ذلك أن العملية الأساسية تعتبر غير صحيحة من منظور شرعي. وفي البلدان التي تطبق أحكام الشريعة الإسلامية، ولكن يمكن أن يتم فيها تبني بعض القوانين لتسهيل عمليات محددة، يمكن أن ينشأ تضارب في القوانين التي تحكم هذه العملية أو تلك. فبموجب الشريعة الإسلامية، فإن العقد شريعة المتعاقدين. وقد تلجأ الجهات التشريعية في بعض البلدان إلى فرض متطلبات أخرى غير تلك الواردة في العقد. فعلى سبيل المثال، في عمليات نقل ملكية العقار أو الملك، يجب أن يسجل عقد البيع ونقل الملكية المترتب عليه في السجل العقاري ويتم فرض رسوم أو ضريبة على نقل الملكية.
وفيما يتصل بصناديق الإجارة الإسلامية، فإن هذا يعرض الصندوق إلى ضريبة مزدوجة، الأول عند شرائه العقار أو الملك من البائع، والثانية عندما يمارس البائع -الذي هو مستأجر الآن - خيار شراء ذلك العقار أو الملك. وبينما لا يتطلب القانون الشرعي القيام بعملية التسجيل هذه أو إتمامها ليكون نقل الملكية صحيحاً أو نافذاً، فإن التشريعات في بعض البلدان الأخرى تتطلب غير ذلك، وبذلك فإنها تخلق متطلباً آخر يمكن أن يؤثر في الهيكلية، وعلى خيار المرجعية القضائية، وعلى التفاعلات مع، والتوقعات، من المشرعين ذوي العلاقة.
فحين يرغب بنك إسلامي في أن يعمل كمرتِّب لفرصة تتعلق بالأسهم الخاصة في سوق متطورة، من الشائع أن يسعى هذا البنك للحصول على مساعدة بنك استثماري متخصص أو شركة للأسهم الخاصة في البلد الذي تخضع العملية لقوانينه. إن هذا يجسر، إلى حد كبير، فجوة مهمة بين معرفة البنك الإسلامي بأحكام الشريعة والرغبة الاستثمارية لمستثمريه الإسلاميين وبين معرفة الشريك الغربي بالأسواق التي يعمل فيها، بما في ذلك المعرفة المهمة بميثاق السلوك أو بالطريقة- بما فيها الهيكليات، والتوقيت والاعتبارات الضريبية- التي تتم بموجبها العمليات في تلك السوق. وكثيراً ما يؤدي هذا إلى نشوء بعض الأوضاع المثيرة للاهتمام مثل السرعة التي تتخذ بها القرارات الاستثمارية في المراكز المالية الأكثر تقدماً، الأمر الذي لا يروق لكثير من البنوك الإسلامية، أو لا يتناسب مع الطريقة التي تكافح فيها المؤسسات الغربية مع الفكرة القائلة إن هيكلة منتج استثماري إسلامي هي عامل لاستخدام آليات محددة ولاحترام الشكل الذي تتم به الاستثمارات، وهي عملية مهمة بموجب القانون الشرعي بقدر أهمية الجوهر.
أعمال الرقابة
تتطلب الاستثمارات التي تقوم بها صناديق الأسهم الخاصة الإسلامية رقابة شرعية مستمرة لضمان الالتزام الكامل بالخطوط الإرشادية الاستثمارية الشرعية، وحيثما لزم، تأسيس آليات التطهير المناسبة. وهناك حاجة إلى أن يقوم مروجو ومديرو الصناديق الإسلامية ومصدرو الأدوات الإسلامية، بما فيهم البنوك التقليدية، بتطوير فهم عام للقانون الإسلامي والعمل عن كثب مع المستشارين الشرعيين لضمان وجود فهم واف لهيكليات الاستثمار الإسلامي إلى الحد الذي يمكنهم من مراقبة تنفيذ تلك القواعد باستمرار.
ومن المتوقع أن تستمر صناعة الأسهم الخاصة الإسلامية في التطور مع قيام المروجين ومستشاريهم المهنيين بالعمل معاً من أجل مواجهة التحديات التشريعية والقانونية والقضائية التي لا شك في نشوئها. وستتسارع وتيرة هذا التطور مع سعي صناديق الأسهم الخاصة إلى تأسيس عدد متزايد من الأحكام القضائية والاستثمار فيها وفقاً للحدود الشرعية. ويتفق معظم المحامين العاملين في صناعة الأسهم الخاصة على أن جاذبية هذا المجال تنبع في جزء منها من الخاصية الفريدة التي تنطوي على تحد لكل عملية. وتتعزز هذه الفرادة أكثر فأكثر في سياق هيكلة العمليات التي تتم وفقاً للأحكام الشرعية، وخاصة في البلدان التي لا تتبع الأحكام الإسلامية، وذلك لأن عملية الهيكلة تنطوي على جدل مستمر مع المؤسسات المصرفية غير الإسلامية والمشرعين غير الإسلاميين وعلى الحاجة إلى الابتكار في تطوير المنتجات الجديدة.