لم يعد الآن مناسبا تعديل مؤشر السوق
كنت أول من اقترح إعادة حساب مؤشر سوق الأسهم السعودية على أساس القيمة السوقية للأسهم القابلة للتداول من خلال استبعاد الأسهم المملوكة للدولة، وذلك في مقال نشرته في "الاقتصادية" قبل ما يزيد على أربع سنوات، وتحديدا في أيلول (سبتمبر) 2003، كان عنوانه "أسلوب قياس المؤشر يزيد من تذبذب الأسهم السعودية". إلا أنني أرى الآن أن الوقت قد فات كثيرا على تنفيذ هذا الاقتراح، وأن استبعاد أسهم الدولة، والأسهم المملوكة من قبل مستثمرين يملكون أكثر من 10 في المائة من أسهم شركة معينة، ونحوها من أسهم غير متداولة، قد يكون فقد جدواه، بل قد يكون حتى غير مناسب، وذلك للعوامل التالية:
1- أن الاكتتابات العديدة والمتواصلة خلال العامين الماضيين قد زادت كثيرا من أعداد الشركات المدرجة في السوق وحدت بالتالي من الأهمية النسبية للشركات التي تملك الدولة نسبة كبيرة من أسهمها في مؤشر السوق، وحيث يتوقع إدراج عدد كبير من الشركات في السوق خلال المرحلة المقبلة، فإن ذلك يعني تراجعا متواصلا في الأهمية النسبية للشركات التي تملك الدولة جزءا كبيرا من أسهمها على مؤشر السوق، حتى في حال استمر أسلوب قياس المؤشر الحالي، المعتمد على إجمالي القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة، دون تعديل.
2- أن استبعاد أسهم الدولة وأسهم كبار المستثمرين في السوق ومن ثم ترجيح المؤشر بالقيمة السوقية للأسهم القابلة للتداول فقط، لا يعني بالضرورة انخفاضا في أهمية الشركات المؤثرة في مؤشر السوق وفق أسلوب قياسه الحالي. فإجمالي القيمة السوقية للأسهم القابلة للتداول بعد استبعاد كل هذه الأسهم ستكون صغيرة نسبيا، ما يمكن الشركات الحالية المؤثرة في مؤشر السوق من الاحتفاظ بأهميتها النسبية، نظراً لأن القيمة السوقية لأسهمها المتداولة ستشكل هي الأخرى نسبة عالية من إجمالي القيمة السوقية للأسهم القابلة للتداول في السوق، ما يحد من جدوى هذا التعديل في جعل مؤشر السوق يعكس أداء مجموعة أكبر من الشركات المدرجة.
3- أن الشركات الصغيرة التي تتعرض لمضاربات حادة ترتفع معها أسعارها إلى قيم مبالغ فيها جدا سيزداد تأثيرها في المؤشر بصورة لا تتلاءم مع حقيقة أدائها المالي وقيمها العادلة، خاصة وأنها تتصف بارتفاع نسبة أسهمها القابلة للتداول، نظرا لابتعاد المستثمرين عنها وكون معظم أسهمها مملوكة لمضاربين تتغير نسبة ملكيتهم فيها بشكل سريع ومستمر، ما يتسبب في زيادة حدة تذبذب السوق ويفقده مزيدا من ثقة المستثمرين.
4- أنه ليس من الضروري أن يعكس مؤشر السوق أداء كافة الشركات المدرجة فيه، ويمكن أن يعكس فقط أداء عدد محدود من الشركات الرئيسية. فمؤشر داو جونز، على سبيل المثال، هو مؤشر لأداء 30 شركة فقط من الشركات المدرجة في بورصة وول ستريت، رغم أن هناك آلاف الشركات المدرجة في هذه السوق، ما يعني إمكانية بقاء شركة أو حتى مجموعة شركات مدرجة في السوق دون أن يتم احتسابها ضمن المؤشر، أو أن تكون الطريقة التي يقاس بها المؤشر تجعل تأثيرها فيه محدودا.
5- أنه من الواضح أن هذا الاقتراح يمثل محاولة لإيجاد معالجة مناسبة لإشكالية إضافة سهم شركة المملكة القابضة إلى المؤشر في ظل ضخامة عدد أسهمها ومحدودية عدد أسهمها القابلة للتداول، حيث ستملك تأثيرا يراه الكثير مبالغا فيه، وغير مناسب، في ظل تداول 5 في المائة من أسهمها فقط، ما أجبر هيئة السوق على البحث عن مخرج مناسب يحد من هذا التأثير ويسمح بسرعة إضافتها إلى المؤشر، وهذا في حد ذاته مبرر غير مقبول ولا كاف لاتخاذ قرار متسرع في هذا الشأن.
لكل ما سبق، فإن الوقت قد يكون متأخرا جدا لمثل هذا التعديل في أسلوب قياس المؤشر، كما أن الحاجة إليه ستكون في تراجع مستمر في ظل توسع السوق وزيادة أعداد الشركات المدرجة فيه، ما يجعل وضع حد أدنى لنسبة الأسهم القابلة للتداول قبل ضم سهم شركة معينة إلى مؤشر السوق خيارا أنسب وأفضل. وكما اقترحت في مقال سابق قبل عدة أسابيع، يمكن اعتبار الحد الأدنى لنسبة الطرح المُؤهلة للضم إلى مؤشر السوق 20 في المائة من الأسهم المصدرة، باعتبار أن هذه النسبة تمثل أدنى نسبة طرح لشركات أضيفت إلى مؤشر السوق سابقا، وأعني هنا شركة الاتصالات السعودية وشركة اتحاد اتصالات، وأي شركة تطرح نسبة تقل عن ذلك، تضاف إلى مؤشر السوق فقط بعد تمكن ملاكها من رفع نسبة المتداول من أسهمها إلى ما فوق هذه النسبة. خيار آخر، أن يحتسب في قياس المؤشر قيمة الأسهم القابلة للتداول بالنسبة لهذه الشركات فقط دون الشركات الأخرى في السوق، على أن تحتسب كامل قيمتها السوقية في المؤشر بعد تجاوز نسبة أسهمها المتداولة 20 في المائة من أسهمها المصدرة.