القصد تبلغوا

  القصد تبلغوا

ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن ينجي أحدا منكم عمله)، قالوا: ولا أنت يا رسول الله. قال: (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة، سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا).
وعند قراءة هذه الكلمات من كلام صاحب الرسالة ترى فيها أن الشارع قصد إلى ضبط النفوس إلى مقام الاعتدال حتى لا يقع بأثر النفس وجه من الفعل المنافي لمقاصد الشارع في تزكية النفوس الآدمية التي خلقها الله على درجة من القابلية للزيادة في أخذ الفعل والنقصان عنه، بسلوك طرائق تغلق على النفس مقام محبة العبادة والامتثال لأمر الشارع، إما لغلبة التضييق في النفس في أخذ الشريعة والعنت فيها، وإما بسلوك مقام الإغفال بلهوالحياة الدنيا العابث بالنفس المبعد لجوهرها عن مقام شرف الشريعة.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (القصد القصد تبلغوا) توجيه إلى سلوك سبيل الاعتدال في تحصيل الخير، سواء كان ذلك في مقامات الخير العلمية، أو العملية، وإن من أخص من يقصد إلى إدراكهم هذا المعنى من له عناية بالعلم، فلا يدرك العلم جملة واحدة، وإنما على مر السنين بقدر من الترقي وحسن التأتي، مع صلاح القصد، وحسن النظر، وتمام استحضار لحقيقة العلم ومقصوده.
ثم إن النفس ملولة بطبعها فمن التأخر في الفهم توهم الإمكان في تحصيل كل ما يعرض من مقامات الاجتهاد العلمية والعملية على قدر من التمام، فإن النفس يعرض لها النقص طبعا، وهذا معلوم في أوائل الخلق الآدمي، وكذلك النظر فإنه مقامات ولا يكون فيه تمام في سائرها.
فالنفس في أحوالها كمطايا المسافر لها أوقات نشاط يُجد فيها في السير، فيستعين بالغدوة وبالروحة ولا يكون على نسق واحد، بل مادة التنوع من أخص ما يحصل به ضبط النفس، قال الحسن: نفوسكم مطاياكم ؛ فأصلحوا مطاياكم تبلغكم إلى ربكم عز وجل. والله الهادي.

الأكثر قراءة