جدول أعمال مريح لقمة "أوبك"
تعقد قمة "أوبك" بحضور زعمائها للمرة الثالثة في تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي في مدينة الرياض، حيث عقدت القمة للمرة الأولى في الجزائر سنة 1975، وبعد 25 عاماً عقدت القمة الثانية في فنزويلا سنة 2000، لتأتي القمة الثالثة في الرياض، في وقت تشهد فيه السوق النفطية أرقاماً تاريخية لأسعار منتجاتها. فقد يأتي الأربعاء المقبل وأسعار النفط تلامس المائة دولار للبرميل، سابقة توقعات المهتمين الذين كانوا يتوقعون وصول تلك الأسعار في سنة 2000، حيث إن تقرير إحدى اللجان الغربية التي عقدت في السبعينيات لدراسة توقعات أسعار النفط أشار إلى وصول سعر النفط إلى 100 دولار في سنة 2000، لكن ذلك تأخر ثماني سنوات عن سنة 2000 ليقترب من 100 دولار في نهاية الأسبوع الماضي. وأصبح سعر النفط يقترب من سعره الحقيقي في الثمانينيات عند احتساب معامل التضخم. فعند وصول سعر النفط إلى 101 دولار للبرميل، فإنه سيعادل أسعار الثمانينيات بالأسعار الحقيقية، ورغم ذلك فإنه لن يؤثر في نمو الاقتصاد العالمي. ذلك أن مساهمة برميل النفط في إجمالي إنتاج الدول المتقدمة انخفضت بصورة كبيرة، حيث إن وحدة إنتاج في الوقت الحالي تتطلب استهلاكا أقل من برميل واحد. ولكن زيادة الطلب من الصين والهند بصورة متسارعة، وبأقل فاعلية وكفاءة في الاستهلاك، أسهمت في ارتفاع الطلب، وبالتالي أسعار النفط. يضاف إلى ذلك عاملان مهمان أسهما في وصول أسعار النفط إلى هذه المستويات وهما محدودية الطاقة الإنتاجية لمصافي النفط، وانخفاض الطاقة الإنتاجية للدول المصدرة للنفط. ورغم ضخ استثمارات ضخمة في استكشاف النفط، فإن ذلك قد يأخذ فترة تصل إلى ثلاث سنوات مقبلة لدخول الاستكشافات الجديدة في دورة الإنتاج وزيادة المعروض من النفط.
وبناء على ذلك فإن ملوك ورؤساء دول "أوبك" قد لا يقضون الكثير في مناقشة العوامل المؤدية إلى ارتفاع أسعار النفط بقدر مناقشة المصاعب التي تواجه الصناعة النفطية والمتمثلة في تراجع الدولار، وانخفاض الطاقة الإنتاجية لنفط دول "أوبك" في الإمدادات العالمية، وعمل المزيد من التنسيق والتشاور في مجالات النفط والغاز ومصادر الطاقة الأخرى. وقد تكون للسياسة نصيب من مناقشات زعماء "أوبك" خصوصاً أن بعض دول "أوبك" تواجه تهديدات وعداء أمريكيا واضحا مثل إيران وفنزويلا، بينما يشكل الوجود الأمريكي في العراق مصدر قلق، ليس من قبل دول "أوبك" فحسب، بل حتى من الدول الغربية الصديقة للولايات المتحدة.
إن واقع السوق النفطية والعوامل المؤثرة فيها حالياً يبرئان ساحة "أوبك" من أي ارتفاعات حالية في أسعار النفط، فالسوق النفطية لا تحتاج إلى مزيد من الإمدادات النفطية بقدر ما تريد مزيداً من مشتقات النفط التي تنتجها المصافي الغربية. ولا يمكن لدول "أوبك" أن تقرر مزيداً من الاستثمار في استكشاف النفط، فهي تفعل ذلك منذ بضع سنوات، كما لا يمكنها البحث عن بدائل للنفط لأنها لا تملك إلا النفط وتقنياته، ومن صالحها أن يستهلك وأن يعرض بأسعار معقولة، لأن في ذلك إطالة للعمر الافتراضي لاستهلاك النفط، وتكاسلا أو (ابتعادا) الدول المستهلكة عن إيجاد بدائل للطاقة غير النفط.
ولعل ما يقلق "أوبك" بالفعل هو ما قد يجلبه ارتفاع أسعار النفط من ارتفاع في التضخم العالمي، خصوصاً في الدول النامية والدول الناشئة، وكذلك عدم قدرة دول "أوبك" على تجنب مخاطر التضخم مادامت تقيم بيعها النفطي بالدولار مع تثبيت أسعار عملاتها بالدولار. إذ إن مثل تلك السياسات ستؤثر فيها كثيراً في حال تراجع دور الاقتصاد الأمريكي في الاقتصاد العالمي، خصوصاً في ظل نظام العولمة الحالي الذي بدأ يسحب البساط الاقتصادي من تحت أقدام العملاق الأمريكي ليذهب إلى دول أخرى كالصين. وقد يكون هذا القلق إحدى نقاط دول "أوبك" التي ستناقش، وقد يأخذ حيزاً مهماً في أجندة أعمال "أوبك"، لكنها لا تستطيع اتخاذ قرار واضح حول ذلك في القمة الحالية، وستتركها لعوامل السوق المستقبلية التي قد تجبر "أوبك" إلى تبني سياسات أكثر مرونة في تسعير النفط بسلة من عملات، مع فك ارتباط عملات معظم دولها عن الدولار. ولو حدث ذلك، فإنه سيكون إعلانا مهما لانتهاء دور الاقتصاد الأمريكي الريادي في الاقتصاد العالمي.