نظام القضاء الجديد يحتاج إلى صرامة تطبيق العقوبات وتقنينها
خطوة أساسية ومهمة للقضاء في المملكة ومرحلة تاريخية لسيادة واستقلالية القضاء. ولكن ما يهم المواطن كثيرا: هل ستتبع تلك الخطوة الصرامة في التطبيق وفق نظام لآليات تطبيق العقوبات بسرعة وصرامة وشفافية تضمن للمواطن حقه ممن يعتدون عليه أو يخالفون القوانين، ثم نظام مقنن مكتوب لتقنين العقوبات وتوحيدها بحيث تتساوى العقوبات في جميع مناطق المملكة؟ فيكون الحكم على المخالفات سواء كبرت أم صغرت كالقاتل أو السارق أو المهرب للمخدرات أو حتى من يقطع إشارة المرور أو يصدر شيكا بدون رصيد. وبحيث يكون حكما وعقابا مقننا ومعروفا ومكتوبا مع ترك المجال بحدود للأحكام التعزيرية. فيطبق القانون على الجميع الكبير والصغير والمسؤول والمواطن والغني والفقير. والقضاء على وضع الواسطة الذي أخرنا عقودا وظلم الكثير. ليتم استتباب الأمن وهي خطوة ما زالت تنقص بعض الأنظمة الأخرى للدولة مثل المرور والتجارة والصحة التي ما زالت لا تمتلك النظام الأساسي فما بالك بتطبيق العقوبات على أنظمة غير موجودة. فما عقوبة من يتجاوز الجميع عند إشارة المرور ويأتي من خلفهم ليصف أمامهم ويتباجح باستعراض سيارته كحاجز أمام الجميع وكأنه يقول أنا أهم منكم وبدون احترام للمواطنين أو القانون وهو بذلك كأنه لا يحترم الدولة وهيبتها. ويفعلها أمام رجل المرور الذي يراه ولكن لا يتحرك ليعاقبه. فليس هناك نظام مقنن ومنشور للجميع لمعرفة عقوباتهم. وإن عرفوها فهل سيتم تطبيقها أم سنستمر نمط نظام الواسطات؟ وكذلك الحال للأنظمة والمهن الأخرى كالمهندس الذي يغش الناس في البناء أو الطبيب الذي يخطئ في عمله أو من يماطل في دفع الأجور للعاملين لديه أو مستخدميه.
ما زال المواطن يعاني من بطء سير القضايا وسرعة البت في الحكم لدرجة أن المواطن غالب يتخلى عن المطالبة بحقوقه لقناعته بعدم جدوى القضاء. فالمواطن عندما يشتكي خصمه ويذهب إلى القاضي لطلب محاكمته يفاجأ بالقاضي يطلب منه إحضار غريمه بنفسه. بينما المفروض أن القضاء والشرطة هما المسؤولان عن إحضاره. فالمواطن غالب شخص ضعيف سواء رجل أو امرأة ولا يستطيع إحضار غريمه فيترك حقه. وهذا ضعف للقضاء يسمح للمتلاعبين والمستهترين بالمواطنين والدولة أن يسرحوا ويمرحوا كما طاب لهم.
قضايا مثل الحكم على من يصدر شيكا من دون أن يكون لديه رصيد في البنك أو مستأجر لا يدفع الإيجار لصاحب العقار وبينهما عقود. ومع ذلك لا يستطيع القضاء إخراجه. بينما أساس الدين الإسلامي هو الوفاء بالعقود. فهل القضاء لا يستطيع تطبيق الشريعة الإسلامية؟
يعتدي المجرمون على حرماتنا ويدخلون بيوتنا للسرقة، ولا نستطيع الدفاع عن أنفسنا. ولو حاولنا ضربهم داخل منازلنا لحكم علينا وبقي المجرمون طلقاء!!
تبني منزلا أو عقارا وتتعاقد مع موردين للأبواب والنوافذ والرخام والمطبخ وغيرها من المواد والمعدات وتوقع عقدا لتسلمها خلال شهر أو شهرين وتدفع نصف المبلغ مقدماَ والنصف الآخر قبل أن تتسلم البضاعة. ومع ذلك يتأخر الجميع عن تسليمك ما تعاقدت عليه ليس شهرا أو سنوات ومع ذلك لا تستطيع المطالبة بحقك. وتتأخر مشاريعك الاستثمارية أو سكنك الخاص. فما العقاب وكيف تطالب بحقك؟ آمل ألا اسمع ردا من مماطلة وزارة التجارة والضرب على الصدور لحماية المستهلك فنحن فقدنا الأمل في ذلك.
فمتى نرى نظاما وعقوبات للقضاء على من يمارسون عمل الواسطات والمحسوبيات وأن تتم محاكمتهم وفق عقاب رادع؟ فالناس سواسية كأسنان المشط. ولا فرق بين عجمي ولا عربي إلا بالتقوى.
وهو ما تقره وزارة العدل في موقعها من الحث على العدالة وأنها شرف ورفعة واحتياج جُعلت في نظر النظار من أهم الوظائف المنوطة بمنصب الإمامة العظمى والسياسة العليا للأمة، تحقيقاً لمصالحها، ودرءا للمفاسد عنها، لنبذ كل ما من شأنه الإخلال بنظامها من الشقاق والنزاع والمخاصمة، قال الله تعالي: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى) النحل 16/90.
وقال تعالي: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم ببين الناس أن تحكموا بالعدل) النساء. أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس، وإن هذه الآية إنما نزلت في الأمراء يعني الحكام بين الناس". " هذه الآية من أمهات الآيات المشتملة على كثير من أحكام الشرع .. والعدل هو: فصل الحكم على ما في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا الحكم بالرأي المجرد، فإن ذلك ليس من الحق في شيء إلا إذا لم يوجد دليل ذلك الحكم في كتاب الله ولا في سنة رسوله.
تلك الخطوات لتحقيق العدل هي خطوات مكملة لنظام القضاء ليكون قانونيا تشريعيا متكاملا ومترابطا وفق دستور شرعي مقنن مستمد من القرآن الكريم والسنة المطهرة مكتوبا ومقننا بما ينسجم مع طبيعة الحياة ومتطلبات العصر. ويوفر للمواطن والدولة الحماية القانونية الصارمة على القوي والضعيف وبشفافية واضحة. فما فائدة الأنظمة دون وجود مَن يرعاها من الإهانة ويضمن لها هيبتها التي هي من هيبة الدولة وصرامتها. ويعزز ثقة المستثمرين الوطنيين والأجانب للاستثمار في هذا البلد.
كلى أمل في المشروع الإصلاحي الذي نعيشه في ظل حكم خادم الحرمين - رعاه الله - وجهوده المخلصة، كما أعلنها في ألمانيا الأسبوع الماضي كلمة صارمة " مشروعنا الإصلاحي تدريجي وتراكمي". ومشروعه الإصلاحي الذي يتسم بإحداث تغيرات تدريجية وصولا إلى الشمولية في الطرح والتكامل في التنفيذ والبرمجة في التوقيت. وفي اعتقادي أن المشوار طويل لتحقيق مشروع خادم الحرمين إلا إذا استطعنا اختزال الوقت عن طريق العمل المشترك بدءا من المواطن إلى المسؤولين ثم الدولة. إن تطبيق العقوبات والجزاءات هو أهم الخطوات للحصول على العدل والعدالة الاجتماعية التي هي أساس الاستقرار والأمن للدولة. فقد صدق عابر السبيل الذي قال للخليفة عمر بن الخطاب" حكمت فعدلت فأمنت فنمت". فنحن والدولة لن ننام أو تغمض لنا عين من دون العدل.